حميد رضا إبراهيمي / باحث أول في قضايا حقوق الإنسان في الشرق الأوسط، ومختص في العلاقات الإيرانية العراقية.
لا شك أن أحداث السابع من تشرين الأول/اكتوبر، والتي أنجبت (طوفان الأقصى) شكلت نقطة عطف وتحول في استراتيجية التاريخ المعاصر للشرق الأوسط، ومن هنا وفي ظل تلك الظروف والتحولات فإن تحول نشاط الجهات الفاعلة والمؤثرة على المدى المتوسط والبعيد سيكون حتمياً.
في فترة تاريخية محددة، واجهت إسرائيل هجمة فريدة نوعاً ما، وصلت إلى أعماقها الحيوية، مما أدى إلى فقدان جزء من أراضيها لعدة أيام وخسائر بشرية كبيرة بين المدنيين وبعض القادة العسكريين، وهذه التطورات قد تؤدي إلى اندلاع مواجهة مباشرة بين إسرائيل من جهة وإيران وحزب الله اللبناني من جهة أخرى، بما أن عدم عودة حزب الله إلى حدود ما قبل نهر الليطان سيجعل إسرائيل تحت تهديد محتمل، مشابهاً لأحداث «طوفان الأقصى». ومن الطبيعي توقع تبعات أكبر لمثل هذه الأحداث.
وفي سياق آخر، يبدو أن التهديد النووي الإيراني لإسرائيل لم يعد ذو طابع متكرر كما كان في السنوات الأخيرة. فبعد أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر، بدأت قيادات إسرائيل تنظر إلى الأمر بحساسية متزايدة بمنظور مختلف. وفي غياب حركة سياسية لحل الأزمة النووية الإيرانية، يبدو أن الصدام المباشر بين الطرفين أصبح مسألة وقت فقط، ومن المرجح أن يندلع في وقت قريب.
الصراع الملتوي والمرير بين إيران وإسرائيل بعد أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر قد استنفذ جميع مراحل المواجهات غير مباشرة، ولم تعد هناك مساحة كافية لاستدامتها، إذن سيتوجه الطرفان لمواجهة واسعة النطاق، كما أن توقيت الصدام الواسع سيعتمد كثيراً على الجهة المسؤولة عن إدارة الملف الإيراني في البيت الأبيض، إذ أن الولايات المتحدة، وعلى المستوى الداخلي غير متفقة نظرياً حول كيفية إدارة الملف الإيراني وملفات الشرق الأوسط بشكل عام، وأن مسك أي طيف سياسي لزمام الأمور، ممكن أن يدفع بالملفات المتعلقة إلى اتجاهات بعيدة ومعاكسة لما يراه الطرف الآخر.
كما أن وصول أي فرد من الحزب الجمهوري لرئاسة البيت الأبيض من شأنه أن يكون بحد ذاته دافعاً ومحفزاً لنشوب صراع إيراني إسرائيلي، وتضاؤل فرص التوصل إلى اتفاق سياسي شامل بينهما، فوجود مثل هكذا شخص يبعث رسالة إلى المنطقة والجهات الفاعلة برمتها بولادة حقبة سياسية جديدة، وأن عصر المماشاة والترضية ولى وانتهى. ونتيجة لذلك ،ستكون المنطقة أكثر حذراً، لكن هذا الحذر لن يمنع من وقوع صدام مباشر، بل من الممكن أن يؤخره تصل أربع سنوات على الأقل.
إن الصراع بين الأطراف المتنازعة في الشرق الأوسط في نيسان/أبريل 2024 وصل إلى مستوى متقدم جداً، بحيث يمكن القول إن تحذيرات فردية لرجل مثل ترامب هي وحدها القادرة فقط على تخفيف حدة التوتر.
أما إذا تسلم الطيف اليساري السياسة الخارجية في الحزب الديمقراطي زمام إدارة ملف الشرق الأوسط، والتي هي بقيادة «طوني بلينكن»، فمن المنتظر أن تشهد المرحلة تأخيراً للصدام وموازنة القوى، إلا أن هذا الطيف السياسي لن يستطيع إيقاف اشتعال الشرارة بمفرده، كما لم يكن باستطاعته إيقاف الرد الإسرائيلي المباشر على الضربات الإيرانية الثقيلة في عمق الأراضي الإسرائيلية قبل أيام، وكما هو معلوم، فإن رؤيته لإدارة السياسة الخارجية مخالفة لرؤى الحزب الجمهوري المنافس، وحتى مخالفة أيضاً للسياسات الكلاسيكية للديمقراطي نفسه، ذلك لأنه لا يعتقد بحقانية مطلقة الكيان الإسرائيلي بحرب غزة، وفي الوقت الذي لا يؤيد به السقوط الكامل لغزة وانهيارها، لا يعتقد أيضاً بالملازمة الذاتية بين سقوط غزة ونهاية حماس، كما يذهب إلى أبعد من ذلك في أن وجود حماس كقوة ضاغطة باتجاه تشكيل الدولتين في الأراضي المحتلة، وأما في الملف الايراني، فيرى الطيف اليساري أن الدفاع ضد الهجمات الإيرانية أمر ضروري دون الذهاب إلى وسائل الرد أو الهجوم المتبادل، إضافة إلى أنها لا تؤيد الهجوم على لبنان، وباختصار لا يمكن اعتبار هذه الجهة مناهضة لإيران، لأنهم يدركون تماماً النفوذ الإقليمي الذي تتمتع به إيران، كما يتغاضون في بعض الأحيان عن الأعمال التي تزعزع الاستقرار، والتي تقوم بها جهات متحالفة مع طهران، مثل الهجمات التي يشنها اتباع الحوثيون على السفن التجارية في البحر الأحمر، حيث يتعاملون معها بقدر كبير من التساهل.