علي فارس حميد/ أستاذ الدراسات الدولية والاستراتيجية، جامعة النهرين
يفترض تحليل منطق التفاعلات الدولية أن تكون هناك حسابات استراتيجية قادرة على فهم أولويات المصالح ومدى انسجامها من حيث العلاقات الثنائية بين الدول، وهذا ما يمثل مجرى فهم النظام الدولي وحركة المتغيرات التي عادةً ما تكون المعيار الأساسي لتحليل هذه العلاقات. وفي خضم الأوضاع التي تشهدها منطقة الخليج والشرق الأوسط أجرى السيد السوداني زيارة إلى واشنطن بعد عدة جولات من المفاوضات بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية تتضمن تحليل وتقييم العلاقة. ومن الواضح تماماً أن العراق يخضع لتقييم استراتيجي للعلاقة مع واشنطن بعد أن تم تكليف لجنة ثنائية لتقييم وضع تنظيم داعش والشراكة الأمنية بين الدولتين في ضوء تطورات سياسية داخلية تدفع باتجاه خروج القوات الأجنبية من العراق وإمكانية القوات المسلحة العراقية من السيطرة على الوضع الأمني. إلى جانب ضغوطات اقتصادية مركزة قد تؤثر تداعياتها على المشاريع التنموية برمتها.
العراق ودوامة التجاذبات الإقليمية
يشكل الملف الإقليمي بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية أهمية استراتيجية حيوية بحكم طبيعة التفاعلات التي تشهدها المنطقة والوضع في غزة، الذي يتطلب حماية الكيان الصهيوني من جهة والالتزام حيال الحلفاء الرئيسيين من جهة أخرى، وبين طموحات الجمهورية الإيرانية الهادفة إلى فرض نفسها كقوة إقليمية فاعلة غير قانعة بالدور الأمريكي في المنطقة. وضمن هذه البيئة، فإن العراق يشكل منطقة تلاقي وتصادم المصالح بحسب سلوكه السياسي، والذي يزيد من أهميته بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.
وفقاً لبعض التقارير والدراسات الأمريكية، فإن سلوك العراق الإقليمي يمثل واحدة من أهم معايير الاستقرار الإقليمي بحكم التنافس والصراع الذي تشهده المنطقة بين القوى الرئيسة فيه، ومن ثم فإن معظم الملاحظات التي تناقش العلاقة بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية تخضع لحسابات العلاقة مع الجمهورية الإيرانية. وهو ما يؤيد فهم الخبراء في واشنطن إلى أن تقييم العلاقة مع العراق يخضع إلى سلوك العراق الإقليمي ذاته وفقاً لما يؤديه من أدوار في المنطقة والمدى الذي يسمح فيه للجمهورية الإيرانية بتجاوز العقوبات والضغوطات المفروضة من قبل الإدارة الأمريكية، فبحسب تقديرهم أن العراق هو الوحيد القادر على تغيير طبيعة المعادلات الإقليمية وما يرتبط بها من أدوار وفقاً للموقع الذي يتبناه في أدائه الإقليمي وسياسته الخارجية.
ومن خلال تقييم سريع لرؤية الحكومة العراقية في مجال التعامل مع القوات الأجنبية، والتي تعد بمثابة ركائز أساسية للحوار العراقي مع واشنطن، فإن من بين الأولويات التي تبنتها وزارة الخارجية العراقية هو العمل على حماية وتحصين سيادة العراق، والحفاظ على أمن واستقرار العراق وازدهاره. وتعزيز الدعم الدولي المقدم للعراق في مكافحة الإرهاب. والتي يتم التعامل معها بوصفها أولويات استراتيجية بالنسبة لوزارة الخارجية العراقية. ومن ثم فإن المواقف التي تتعلق بالتحالف الدولي والقوات الأجنبية تعد من الأولويات التي يتطلب من وزارة الخارجية دعمها والعمل على توسيعها، والذي يشمل بحكم متطلباته تنسيق القوات الأجنبية على الأراضي العراقية بالطريقة التي يتم التعامل من خلالها.