فراس إلياس/ باحث
تأتي الزيارة المرتقبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان للعراق، والمتوقع القيام بها في نهاية شهر نيسان/أبريل الجاري، لتمثل محطة مهمة من محطات العلاقة بين العراق وتركيا، فهي الأولى له كرئيس للجمهورية، والثانية بعد أن كان رئيساً للوزراء، إذ أظهرت السياسة الخارجية التركية في الفترة الماضية اهتماما ملحوظاً بالعراق، لأسباب سياسية واقتصادية وأمنية، وهو اهتمام ترجمته طبيعة الأدوار التركية في العراق، ما يُثير بدوره العديد من التساؤلات حول طبيعة الدور التركي المرتقب، وكيف سترسم تركيا مسارات دورها فيه، وشكل القضايا التي ستتفاعل معها، والأهم من كل ذلك النهج الاستراتيجي الذي سيتعامل به أردوغان مع الملف العراقي.
إن الحديث عن دور تركي جديد بالعراق، يمثل السؤال الأهم في مرحلة ما بعد زيارة أردوغان، وذلك نظراً للتحولات المستمرة التي مر بها الدور التركي بالعراق بعد عام 2003، إذ تنافست على إدارة الملف العراقي العديد من المؤسسات التركية، وأهمها وزارة الخارجية والاستخبارات، وبعد تحول النظام السياسي في تركيا من برلماني إلى رئاسي في نيسان/أبريل 2017، أصبحت مؤسسة الرئاسة هي المتحكم الرئيس بالملف العراقي، والآن مع ولاية أردوغان الثانية، والمجيء بشخصيات تتطابق أيديولوجياً وفكرياً معه، عبر تعيين هاكان فيدان على رأس الخارجية، وإبراهيم كان على رأس المخابرات، يمكن القول بأننا أمام حالة تكامل أيديولوجي وسياسي تركي موجه نحو العراق.
دور تركي جديد
إن الزيارة المرتقبة لأردوغان يتوقع أن تكون لها تداعيات مباشرة على الداخل العراقي، إذ يُعطي تعيين رئيس المخابرات السابق هاكان فيدان، وزيراً للخارجية، بعض المؤشرات على طبيعة النهج الذي ستتبناه أنقرة بالفترة المقبلة، ففي السنوات التي قاد فيها المخابرات، أشرف فيدان على قنوات التواصل الخلفية (الأكثر حساسية) مع مختلف الفاعلين الإقليميين والدوليين، كما لعب دوراً بارزاً في صياغة الجوانب الأمنية والاستخباراتية وترتيب المصالحات مع الخصوم، علاوة على ذلك، كان له دور بارز في الصراع التركي مع «حزب العمال الكردستاني – PKK». إذ تمكن عبر تطوير القدرات الاستخبارية للاستخبارات التركية من ملاحقة واستهداف العديد من قيادات الحزب والفصائل الإيزيدية المتحالفة معه في شمال العراق، وتحديداً سنجار.
مما لا شك فيه أن الدور التركي في العراق، سيكون خاضعاً لمراجعة شاملة من قبل أردوغان، وتحديداً على مستوى الأولويات والقضايا، إذ قد يطمح أردوغان إلى الاستمرار بـ»السياسة الخارجية المركبة» حيال أربيل وبغداد، لما توفره هذه السياسة من هامش مناورة مريح لأنقرة في الداخل العراقي، إلى جانب إعطاء ملف الوجود العسكري و»حزب العمال الكردستاني» أهمية كبرى، فضلاً عن الإبقاء على قضايا المياه والطاقة، كقضايا مركزية في الرؤية التركية حيال العراق، خصوصاً وأن تركيا بلورة سياسة «فوق وطنية» عند مناقشة هذه القضايا مع العراق.
إن إنتاج رؤية جديدة لتركيا في العراق، سيكون التحدي الأبرز أمام أردوغان، خصوصاً في موضوعة الموازنة بين الأدوار السياسية والضرورات الأمنية والمصالح الاقتصادية والعمليات العسكرية، فنظراً للواقع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه تركيا، ستحاول تركيا توسيع شبكة علاقاتها الاقتصادية مع العراق، ولعل دعمها لمشروع «طريق التنمية»، يأتي في هذا السياق، عبر هذا المشروع تطمح تركيا إلى توسيع انتشارها الاقتصادي داخل العراق، إلى جانب سهولة الوصول إلى الأسواق في دول الخليج، كما أن هذا الطريق سيوفر لتركيا فرصة تحويل مناطق الصراع مع «حزب العمال الكردستاني» والفصائل في شمال العراق، إلى مناطق للتشابك الاقتصادي، وهو هدف إستراتيجي تسعى من خلالها تركيا أيضاً إلى تحييد النفوذ والتأثير الإيراني، وتحديداً محافظة نينوى، عبر المنطقة العازلة التي تروج لها حالياً.