مراد هادي – باحث
المصارف الافتراضية، وهي نوع جديد ومبتكر من المؤسسات المالية العاملة بدون فروع مادية، قد غيرت المشهد المصرفي في العالم. يتعمق هذا المقال في البدايات، طريقة العمل، الأطر التنظيمية، والتحديات التي تحيط بهذه الكيانات الرقمية.
ظهور المصارف الافتراضية يشير إلى تحول جذري في نموذج المصارف التقليدية. هذه المؤسسات، التي تخلو من المقرات المادية، تستفيد من المنصات الرقمية لتقديم الخدمات المالية بكفاءة. تجد رحلة المصارف الافتراضية جذورها في تقارب التطورات التكنولوجية، وتغير سلوكيات المستهلكين، وتوجه عالمي نحو التحول الرقمي في الخدمات المالية.
المصارف الجديدة (Neobanks)، المعروفة أيضاً بالمصارف الرقمية أو المصارف الافتراضية الكلية عبر الإنترنت، قدمت وجهاً جديداً لهيكل المصارف التقليدية. هذه الكيانات، المميزة بطبيعتها المرنة ومنصاتها السحابية، صُممت أساساً لتلبية احتياجات العالم السريع الوتيرة حيث تعد الحركية والراحة أموراً ذات أهمية قصوى. هذه المصارف، التي تصطف في الطليعة الرقمية، تقدم مزيجاً فريداً من الابتكار وسهولة الاستخدام، والتي أصبحت بديلاً مفضلاً للمصارف التقليدية (Stoughton & Zechner, 2007).
يمكن تتبع نشأة المصارف الافتراضية إلى أواخر القرن العشرين، حيث قامت مصارف رائدة مثل (Security First Network Bank) في الولايات المتحدة (1995) و (First Direct) في المملكة المتحدة (1989) بوضع الأساس. بدأت هذه الكيانات في تقديم خدمات المصارف عبر الإنترنت، مقدمةً للعملاء مفهوم إجراء المعاملات المالية من خلال الإنترنت.
ومع تقدمنا إلى القرن الحادي والعشرين، أدى انتشار الهواتف الذكية، والإنترنت عالي السرعة، وبروتوكولات الأمن السيبراني المحسنة، إلى تسريع نمو المصارف الافتراضية. دول مثل سنغافورة، وهونج كونج، والصين، اعتنقت هذا التَوَّجُه، الأمر الذي أدى إلى تهيئة بيئة مواتية للإبداع المصرفي الافتراضي. والجدير بالذكر أن سلطة النقد في سنغافورة أصدرت تراخيص للمصارف الرقمية فقط، مما حفز المنافسة والابتكار في هذا القطاع.
من أمثلة المصارف الافتراضية الناجحة عالمياً بنك (Ally في الولايات المتحدة)، و(N26 في أوروبا)، و(WeBank في الصين)، و(KakaoBank في كوريا الجنوبية)، حيث يقدم كل منها حلولاً رقمية مصممة خصيصاً لفئات السوق المحددة.
آلية التشغيل:
في صميم عملياتها، تعتبر المصارف الجديدة مقدمي خدمات مالية رقمية. الهدف الرئيسي يظل ضمان إجراء المعاملات عبر الإنترنت بسلاسة بتكاليف منخفضة وحلول مالية مبتكرة. تعمل هذه المصارف بدون هيكل تقليدي، وتستفيد من التقنيات مثل الذكاء الاصطناعي، وأتمتة العمليات الروبوتية، وتعلم الآلة (Machine Learning)، والبلوكتشين (Blockchain) (Fernandes, Ferreira & Raposo, 2013).
تعمل المصارف الافتراضية حصرياً من خلال القنوات الرقمية، وتقدم مجموعة واسعة من الخدمات مثل فتح الحسابات، والمدفوعات، والقروض، ومنتجات الاستثمار من خلال تطبيقات الجوال أو مواقع الكترونية على الإنترنت. باستخدام الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة وتحليلات البيانات، تقوم هذه المصارف بتخصيص تجارب العملاء، وتبسيط العمليات، وتخفيف المخاطر من خلال تدابير أمن سيبراني قوية.