د. محمود عزو حمدو / مركز بناء السلام / جامعة الموصل.
تقدم تجربة العمل الحزبي موارد كبيرة للبحث والنقاش حول قدرات الأحزاب بشكل عام على عرض رؤيتها للمجتمع الذي تحاول استهدافه، كما أن الأحزاب تدعم تجربة التحول الديمقراطي بما يتطلب ذلك من إشاعة التنافس ضمن الأطر القانونية.
مع ذلك، فإن العمل السياسي والحزبي في العراق لم يشهد مساراً تراكمياً، فالصراع المحتدم بعد انتهاء الملكية قاد للمرة الأولى أن تلجأ الأحزاب المعارضة إما إلى حمل السلاح ومواجهة السلطة، أو الخروج إلى خارج العراق بعيداً عن الملاحقة الأمنية وعمليات الإعدام لأي موقف معارض لمن يكون على سدة الحكم.
ولدت الأحزاب السياسية السنية ضمن التوصيف السياسي لعراق ما بعد 2003 من رحم الحركات الإسلامية ابتداءً من جماعة الإخوان المسلمين في العراق؛ ومن ثم انبثقت فيما بعد مرحلة الانشقاقات عن حزب البعث (المحظور) مجموعة من القيادات التي انتهجت طريق المعارضة وهي في الغالب الأعم كانت من ضمن البعثيين الأوائل في الستينات، ثم ما لبثوا أن انشقوا وتم مطاردتهم حتى في خارج العراق.
جاءت لحظة عام 2003 لتكشف الفجوة الكبيرة في العمل السياسي، إذ إن الأحزاب الإسلامية الشيعية كالدعوة والمجلس الأعلى والمؤتمر الوطني العراقي كانت منتظمة ولديها قدراتها التي تمكنها من تحريك العمل السياسي، فهي نتاج تراكم تجربة المعارضة التي امتدت إلى أكثر من 25 عاماً، والأمر ذاته ينطبق على الأحزاب الكردية التي يمتد عمرها التنظيمي وإدارتها المباشرة لمناطق الكرد في العراق إلى أكثر من نصف قرن، وقد تمرست بشكل كبير على إدارة التفاوض والعمل السياسي.
تحاول الورقة التأسيسية هذا تتبع مسارات العمل السياسي الحزبي السني لمرحلة ما بعد 2003، وعلى مدار عقدين من مشاركة السنة السياسية ضمن نظام المحاصصة التوافقي في العراق.
عملية إسقاط النظام السياسي في العراق عام 2003 من قبل القوات الأمريكية أدت إلى دخول الأحزاب المعارضة إلى العراق، كما أن تشكيل مجلس الحكم وفق نظام المحاصصة الإثنية، أبرز الحاجة لوجود سياسي سني، إذ لم يكن هناك أحزاب سياسية سنية سوى الحزب الإسلامي العراقي وهو فرع جماعة الإخوان المسلمين، وكانت المعارضة العراقية تضم شخصيات سياسية سنية مثل عدنان الباجه جي والشريف علي بن الحسين وسمير الصميدعي وغيرهم، من الشخصيات التي تعمل بشكل منفرد وليس ضمن تنظيمات سياسية كالحالة الكردية أو الحالة السياسية الشيعية.
أعلنت الفعاليات السياسية السنية، سواء كانت في تجمعات أو مجالس أو هيئات دينية أو عشائرية عن مواجهتها للولايات المتحدة ورفض أي تشكيل سياسي أو حكومي يعمل في ظل الوجود الأمريكي. ونتيجة لذلك، لم تؤسس أحزاب تعكس التوجهات السياسية السنية.
في المرحلة الأولى، تولى الحزب الإسلامي العراقي مسألة التمثيل السياسي السني نتيجة غياب أي حزب عن تبني الحالة السياسية السنية، وقدم نفسه بمجلس الحكم أو المحافظات أو الوزارات بوصفه يعكس التمثيل المجتمعي.
قاد الانقسام السياسي المذهبي إلى تأطير العمل السياسي ضمن رؤى دينية تحمل العقائد السياسية، بتوصيفات تتناسب مع الحالة العراقية التي بدأت تتنامى فيها الانقسامات، نتيجة الاختلاف في الخيارات تجاه التعامل مع المؤسسات الجديدة للدولة.