هيام علي المرهج / باحثة في مركز البيان – قسم دراسات المرأة.
كان لموجات الحداثة التي وصلت بشكل مفاجئ إلى العراق بعد التغيير دور في إحداث اهتزازات بالواقع الفردي والكيان الاجتماعي للأسرة والمجتمع، وعلى الرغم من التطورات البنيوية التي غيرت مسار الحياة الإنسانية خلال القرن العشرين، إلا أن المرأة العراقية ما زالت تعاني من ضعف العدالة والمساواة فيما يتعلق بحقوقها لاسيما أنها محكومة بعلاقات اجتماعية قائمة على أنظمة أبوية وأعراف وتقاليد اجتماعية تقليدية راسخة. وعلى الرغم من أن المرأة العراقية أخذت وضعها الاجتماعي بالتغيير تدريجياً، فقد بدأت تدخل المدارس، وتتعلم ودخلت مجال الوظيفة والعمل خارج البيت، إلا أن هذا التغيير الكبير الذي أشار إليه الدكتور (علي الوردي) لم يصاحبه تغيير في القيم والتقاليد التي تخص المرأة وبما أن طبيعة التغير لا تحدث على وتيرة واحدة، فإن التغير السريع في المهن ووسائل التعليم والثقافة مقابل التغيير البطيء في العادات والتقاليد والمعتقدات والقيم أدى إلى تناقض أو «تناشز اجتماعي» أثر على حقوق النساء ومساحتهن داخل المحيط الاجتماعي.
يوافق الثامن من مارس من كل عام يوماً عالمياً للمرأة، ويُعتبر هذا اليوم مناسبة ملائمة لتسليط الضوء على واقع النساء. لذا، تهدف هذه الورقة إلى عرض الواقع الاجتماعي للنساء في العراق وتحديد أبرز المشاكل الاجتماعية التي تشكل عائقاً في حياة النساء العراقيات وتؤثر بشكل مباشر على حياتهن وفرصهن وحقوقهن الأساسية. يجب التأكيد هنا على أن قضايا المرأة في العراق ذات أبعاد ومستويات متعددة؛ ولذلك، تركز هذه الورقة على جانب صغير من قضايا المرأة العراقية وهو الواقع الاجتماعي الذي يحيط بالنساء في العراق.
يشمل هذا الواقع العديد من الجوانب، منها الجوانب الاجتماعية المرتبطة بطبيعة الثقافة الاجتماعية للمجتمع، ومنها الجوانب السياسية المتعلقة بالسياسات الحكومية تجاه المرأة في العراق.
النساء العراقيات في دوامة القيم الاجتماعية
تضاعفت الانتهاكات الموجهة ضد النساء في العراق بعد التغيير، تراجعت معها حقوق النساء مع موجة العنف التي شهدها العراق في مرحلة الانتقال نحو الديمقراطية ما بعد 2003، لقد ازدادت الانتهاكات بما فيها القتل غسلاً للعار والاختطاف والاغتصاب ومنعها من الدراسة والعمل بسبب الظروف الأمنية الصعبة التي تمر بها البلاد، فضلاً عن التأثير الديني _ السياسي والتحكم بحياة النساء بكافة تفاصيلها، مما شكل خطورة حقيقية على وضع المرأة وحقوقها وحريتها الطبيعية.
وعلى الرغم من أن التشريعات والقوانين العراقية لا تميز بين المرأة والرجل في مختلف المجالات، سواء في تولي المناصب القيادية أو المراكز العليا في سلم السلطة، إلا أن العوامل الثقافية الاجتماعية لا تزال محددات رئيسية لتلك الأدوار، يعود ذلك إلى البنية الاجتماعية- القبلية والثقافة العشائرية وموروثها الأبوي في المجتمع العراقي. فقد عانت المرأة العراقية ولعقود طوال من جميع أشكال الظلم الاجتماعي والتهميش والاضطهاد والتمييز العنصري والطبقي، مما أثر عليها نفسياً واجتماعياً وجعلها تقبل التعايش والاستسلام للكثير من أوجه الابتزاز الاجتماعي(الذكوري)، والتي تحولت إلى تابوات نفسية- عقدية وعقائدية في اللاوعي الجمعي (الثقافي والنفسي) للمرأة، مما جعلها غير مهيأة للخروج عليها بل أخذت تتعامل معها كمسلمات أخلاقية وعقائدية/ دينية، في حين أن تفكير المرأة بكسر تلك القيود لا يحدث إلا بصعوبة، وفي حالات اجتماعية قليلة نسبياً قياساً بعدد النساء في تركيبة المجتمع العراقي، والتي تقترب من نسبة 49.9% من مجموع السكان، يذكر الدكتور(علي الوردي) في كتابه (شخصية الفرد العراقي) إلى أن العائلة العراقية تعيش حالة من التجزئة فعالم الرجل منفصل تماماً عن عالم المرأة، لهذا تجد البيت العراقي قد أصبح عالماً قائماً بذاته بقيمه وقواعده الخاصة، وهذا بلا ريب يساعد على نمو الازدواج في شخصية الرجل والمرأة معاً، إذ إن كلاً منهما قد يتأثر بقيم الجنس الآخر بصورة شعورية أو لا شعورية بالإضافة إلى قيمة الخاصة بجنسه؛ وبذلك ينشأ نظامان متناقضان من القيم؛ بسبب الانفصال الشديد بين عالم الرجال وعالم النساء، ولكن يبقى كل منهما محكوماً بسلطة الرجل، حيث ذكر العالم ماكس، فيبر (السلطة الأبوية) أحد الأشكال الأساسية التي يمارس فيها شخص واحد السلطة داخل العائلة أو العشيرة بوصفها تشكل وحدة معتمدة على التقاليد، إذ نجد الآن أن السمة الأساسية للأسرة في المجتمع الريفي هي سمة ذات طابع تسلطي عن طريق تسلط الأب، الأخ، الزوج على النساء، وأن المجتمع الأبوي يبدو وكأنه إقطاعية رجالية، وعلى مستوى العراق أصبح من الصعب الفصل بين القيم الريفية والقيم الحضارية داخل المدن بعد 2003 فلم يعد للحضرية معالم واضحة، إذ (تريفت) المدن واختلطت القيم ببعضها، فأصبحت العائلة العراقية في المدينة لا تختلف جذرياً عن العائلة العراقية في الريف من حيث القيم، ولكن الفارق الوحيد في نمط الحياة والمعيشة، على سبيل المثال تعد ولادة الذكر داخل الأسرة في الريف والمدينة على حدٍ سواء – مصدراً للفخر والحماس خلافاً لولادة الأنثى، فالأب يرى في الابن الرفيق في الأعمال والخليفة على العائلة بعد موته وكذلك الوصي على الأم والأخوات والحامل لاسم العائلة، ولهذا فإن البنت تعد عبئاً ثقيلاً يوضع على كاهل العائلة، مما يعني إضافة عضو جديد اليها، كما ينظر إليها بأنها المولود الذي يهدد شرف العائلة إذا ما أغفل عنه، وفي هذا إشارة إلى أن جنس الأنثى هو قهر لها أو هو أول شكل من وجوه القهر التي تواجه المرأة، إذ ينظر إلى البنت كجنس وجسد، وليس كشخص أو إنسان فاعل، وهذا يعني أن قيمة الأنوثة متدنية على عكس قيمة الذكورة (الرجولة) التي يتصف بها الرجل، وهذه القيمة إنما استمدت مشروعيتها بالدرجة الأساس من طبيعة المجتمع وثقافته وتقاليده والنظام الأبوي الذي يسوده، والذي حسم موقفه من الصراع بين قطبي الوجود الإنساني (الذكر، الأنثى) لصالح الذكورة.