د. عماد رزيك عمر / كلية القانون والعلوم السياسية / جامعة الأنبار
إن أهمية الرياضة ودورها في التفاعل بين الشعوب ليست جديدة، فقد عرفتها الحضارات القديمة في بلاد ما بين النهرين، والنيل، واليونان، وعرفت شكلاً متطوراً منها وهو دورة الألعاب الأولمبية في أثينا التي انطلقت في عام 775 قبل الميلاد، وكان لهذه الرياضات سحراً على الناس، فهي توفر فرصة للتنافس وإظهار القدرات بطريقة تجعلهم يتفاعلون فيما بينهم، ومنذ ذلك الوقت، تطورت الطرق والأساليب وصولاً إلى الكرة القدم بشكلها الحالي، إذ تعد اللعبة الأكثر شعبية على الصعيد العالمي، وذلك بسبب سهولة قوانينها وجماعتها ما جعلها تجذب لمتابعتها من مختلف الأعمار، والتي وصل أعدادهم الآن إلى المليارات حول العالم.
ومع نمو البطولات والثورة في وسائل النقل والاتصالات، كسبت هذه الرياضة زخماً حضورياً، وأصبحت فئة المشجعين لهذه الرياضة تشكل أهمية كبيرة تجاوزت الشأن الرياضي، بل أصبحت كرة القدم تتكون من عنصرين أساسين: الأول هم اللاعبون الذين يكونون الفريق والثاني جمهور المشجعين، والذي تنوعت تنظيماته من الروابط و «الألتراس» بشكل يجعلها تتمايز عن بعضها سواء في ألوان الزي أم بالرموز والأناشيد والسلوكيات، أما حينما يلعب المنتخب الوطني، فإن الموضوع يأخذ بعداً قيمياً أعمق، فالجميع تنتابه مشاعر جياشة تجاه من يمثلون البلاد، بل تتجسد الأمة في هؤلاء اللاعبين، فيكون التشجيع هنا تعبيراً عن الهوية أكثر منه بحثاً عن المتعة، وتصاعدت هذه المشاعر مع ازدياد أعداد حضور المشجعين من مختلف البلدان في رقعة جغرافية معينة عندما يحتضن بلد ما الحدث الرياضي؛ مما يشكل فرصة للمجتمعات بالتعبير عن ذاتها، فيتحول المحفل إلى فعالية ثقافية، هذه الأهمية للمشجعين جعلها تدخل إلى السياسة من أوسع الأبواب، باعتبارها نوعاً من العلامة التجارية التي تستثمر صناعة الصورة الأمثل للبلد ومصدراً لجذب وترسيخ الثقافة الوطنية.
وفي العراق، تتمتع رياضة كرة القدم بشعبية جارفة ولديها قاعدة تشجيعية كبيرة، وظهر ذلك جلياً خلال تنظيم كأس الخليج العربي (25) في البصرة، والذي حقق الحضور الجماهيري الأعلى في تاريخ البطولة، كذلك الحضور المميز في بطولة كأس آسيا 2023، إلا أن قاعدة المشجعين هذه ما زالت غير منظمة و تسير الأمور بصورة عفوية من دون استثمار هذه القوة الناعمة في بناء صورة ورمزية تعمل على إظهار ثقافة وارث هذا البلد بالشكل الذي يليق بمكانته، هذه القوة لا تتعلق فقط في عدد المشجعين أو تفاعلهم، وإنما تنبع أهميته على مستويين: الأول ثقافياً والثاني اقتصادياً.