رويدا عباس عبد الجليل – باحثة
المقدمة
في الواقع، أصبحت الدبلوماسية الاقتصادية الفاعل الرئيسي من ضمن أدوات الدبلوماسية التي تستخدمها الدول في علاقاتها الخارجية، والتي تسعى إلى توجيه العلاقات الاقتصادية التنموية إقليمياً ودولياً بالدرجة الأولى، حيث تُعيد رسم التحرك العام الذي يجب أن تكون عليه هذه الدبلوماسية والتعزيز من فعالية عملها.
ونظراً لنتيجة تكامل المجال السياسي والاقتصادي، أضحى الاقتصاد سبباً رئيسياً في نشوء وتطور العلاقات الاقتصادية الدبلوماسية بين الدول، والذي استخدم كوسيلة للضغط والتأثير في العديد من الأحداث العالمية، وبنفس الوقت استخدم كوسيلة لتعزيز وتمكين النشاطات الاقتصادية والتعاون الدولي، ولضرورة الإيمان بأهمية الدبلوماسية الاقتصادية على صعيد العلاقات الدولية، أصبحت الدول تسارع في العمل حول زيادة فاعلية الدبلوماسية الاقتصادية من خلال عقد الندوات والمؤتمرات والأعمال بمشاركة الفاعلين من الخبراء والمختصين من أجل تبادل المعرفة والخبرات لإعادة تحديد الأولويات وأدوار الدبلوماسيين ومهام السفراء والعمل الدبلوماسي بشكل عام، وذلك لمواكبة التحولات والمتغيرات الاقتصادية العالمية.
بالتالي، أصبحت الدبلوماسية الاقتصادية إحدى أولويات الجانب الاقتصادي للدولة، وذلك من أجل تحقيق غايات وأهداف سياسة واقتصادية تتجاوز السياسات والاستراتيجيات التقليدية، محققة مزيداً من الانفتاح والتطور والتقدم في الترويج لثروات وموارد وطاقات الدولة لتصبح فرصة جذب الاستثمارات الأجنبية والمعرفة التقنية والتكنولوجية وتبادل الخبرات بما يضمن تحقيق مكاسب اقتصادية للدولة وتوطيد العلاقات الثنائية أو متعددة الأطراف.
ومما سبق، يمكننا طرح عدة تساؤلات، ومنها: ماهية الدبلوماسية الاقتصادية؟ وما هي الأدوات التي تستخدمها للوصول للغاية وتحقيق الأهداف الاقتصادية؟ وهل بإمكان بلدنا العراق أن يمارس الدبلوماسية الاقتصادية؟ وهل لديه الإمكانات والكفاءات التي تساعد على تحقيقها؟ وما هو دور وأهمية الدبلوماسية الاقتصادية في تعزيز الاقتصاد العراقي مستقبلاً؟
وعليه يهدف هذه المقال إلى تسليط الضوء على أهمية دور الدبلوماسية الاقتصادية في تعزيز الاقتصاد العراقي، بما يضمن مواكبة التطور الإقليمي والدولي، والوقوف على أهم التجارب الناشطة في مجال الدبلوماسية الاقتصادية، بالإضافة إلى تحليل المعيقات التي تُحد من تقدم الدبلوماسية الاقتصادية، وأهم المقترحات للعمل على جعل الدبلوماسية أحد أولويات الخطط والبرامج التنموية المستقبلية.
أولاً: – الدبلوماسية الاقتصادية
نشأت الدبلوماسية كممارسة رافقت ظهور الدول، وأصبحت مهمة الدبلوماسي كنوع من أنواع التواصل والتفاعل وتوطيد العلاقات بين الدول، ومن ثم تطورت هذه المهمة مع تطور العلاقات بين الدول، وأصبحت وسيلة للتفاوض والتمثيل الدبلوماسي المتبادل لتوثيق وتعميق العلاقات والمصالح المشتركة بين الدول.
كانت نشأت الدبلوماسية الاقتصادية في البداية في الولايات المتحدة الأمريكية في فترة (الرئيس روزفلت)، وسميت آنذاك -دبلوماسية الدولار- وكان القصد منها هو تحقيق المصالح الأمريكية المتمثلة في وزارة الخارجية، عن طريق توفير التمويل لتيسير الأعمال الاقتصادية لرجال الأعمال الأمريكيين في الخارج، ومن هنا عُرِّفَت بالدبلوماسية الاقتصادية بأنها استخدام الأدوات والموارد الاقتصادية في الدولة لتحقيق مصالحها القومية، وبمعنى آخر الاعتماد على الثقل السياسي للدولة لخدمة مصالحها الاقتصادية.