الباحث: سيف ضياء دعير – باحث متخصص في دراسات الامن المجتمعي / طالب دراسات عليا ضمن برنامج دكتوراه السياسات العامة – جامعة النهرين / العراق
توطئة:
تواصل الحضارة الإنسانية مسيرتها نحو التقدم بوتيرة متسارعة، متشابكةً في ثناياها تكنولوجيا تمس كل أركان الحياة، ففي ظل هذا التزايد الملموس في الاعتماد على التكنولوجيا، شهدت وسائل التواصل الاجتماعي قفزات تطورية لافتة في العقد الأخير، فقد تجاوز دورها كوسائط مخصصة للتواصل الاجتماعي والتسلية، إلى أن أصبحت جزءاً أساسياً من نسيج الحياة اليومية لعدد لا يحصى من الأشخاص حول العالم، ومع توسُع قاعدة مستخدميها، كرست وسائل التواصل هذه مكانتها كركنٍ بارز في العصر الرقمي الذي نعيشه اليوم، عصر يتميز بتطور متنامٍ في مجالات الذكاء الاصطناعي والاتصالات الإلكترونية وابتكارات تقنية حديثة.
كما يأتي تأثير هذا التطور التكنولوجي بتمويه الفواصل بين الواقع المادي والأبعاد الافتراضية لحياتنا، ما يمهد الطريق أمام ظواهر جديدة قد تحمل تبعاتها على صحتنا النفسية والعلمية على حدٍ سواء، من ذلك ما بات يعرف بـ «المخدرات الرقمية الإلكترونية – Digital Drugs»، أو “iDos r “، أو ما يعرف بالجرعة الرقمية «i-Doser»، وهي الظواهر التي لاقت انتشاراً واهتماماً متزايداً، وهي عبارة عن ملفات صوتية مُصممة لإيقاع تأثير محدد على الدماغ من خلال استخدام ترددات صوتية معينة يُعتقد بأنها قادرة على محاكاة التأثيرات الفيزيائية والنفسية للمواد المخدرة الكيميائية التقليدية كالكوكائين أو الماريجوانا وغيرها من الأنواع التقليدية المنتشرة، وذلك بتحفيزها لمستويات أعلى من الانتعاش والاسترخاء.
إذ يعتمد المبدأ الكامن وراء هذه الملفات على تقنية معروفة بـ»النبضات الدماغية الثنائية «أو «Binaural Beats»، كانت تستخدم سابقاً لعلاج بعض الحالات النفسية وهي ظاهرة سمعية تنشأ حين يُقدَّم صوت بتردد مُحدّد في أذن وصوت بتردد مختلف في الأذن الأخرى، مما يؤدي إلى استجابة عصبية تعمل على توليد تردد ثالث يُفترض أنه يؤثر في حالة الوعي ويحفز تجارب شبيهة بتأثير المواد المخدرة التقليدية على الدماغ.
ومن هذا المنطلق تهدف هذه الورقة البحثية إلى تسليط الضوء على ما تواجهه المجتمعات المعاصرة يتمثل في ظاهرة الإدمان الرقمي، والتي قد تصل تداعياتها إلى مستويات تفوق تلك المرتبطة بالمخدرات التقليدية، وهذا النوع من الإدمان ينمو في الخفاء، دون إدراك واضح من الأسر والمجتمع بمخاطره الجمة وتأثيراته المدمرة، ما يجعل مواجهته تحدياً معقداً، كما تنبع خطورة الإدمان الرقمي من قدرته على إحداث التغييرات العصبية في الدماغ، مما يؤدي إلى اضطرابات سلوكية ونفسية قد تعيق الوظائف اليومية للفرد وهو ما ينعكس بالسلب على تنمية المجتمعات وأمنها المستدام.
1. العلاج بالموسيقى: «تاريخ وتطورات»
لقد أثارت الموسيقى اهتمام الإنسان منذ القِدم، واستُخدِمت في مختلف الحضارات كوسيلة للشفاء والتعبير الروحي والعلاج النفسي والجسدي.
يعود تاريخ العلاج بالموسيقى إلى العصور القديمة، إذ تناول فلاسفة كأفلاطون، وأرسطو تأثيرات الموسيقى على النفس البشرية، وقد لعبت موسيقى الشعوب الأمريكية الأصلية دوراً مركزياً في طقوسهم العلاجية) مُدمجة الغناء والرقص في منظومتهم الطبية).
أما في العصر الإسلامي فقد سلطت الأضواء العلمية على إسهامات أعلام مثل الفارابي والرازي، إذ اعتبر الأخير بنصوصه الطبية الشاملة من أوائل أنصار العلاج النفسي، الذين أدركوا تأثير الموسيقى على الحالة النفسية والبدنية للإنسان، مُشيراً إلى قُدرتها على تلطيف ألم الجسد وتحسين الحالة المزاجية وهو ما يمثل واحداً من أُولى الدراسات المنهجية في مجال العلاج النفسي بالموسيقى، وبدأ بإدماجها ضمن طرق العلاج المتبعة في ذلك الزمان .