د. عبد الرزاق إبراهيم شبيب – كلية المعارف الجامعة – قسم العلوم المالية والمصرفية
المقدمة:
يمثل الاستثمار العصب الرئيسي في الحياة الاقتصادية، ونموه دلالة على تحسن البيئة التنظيمية والكفاءة التشغيلية للاقتصادات الوطنية، ويمكن تعريف المناخ الاستثماري على أنه مجموعة القوانين، والسياسات، والمؤسسات الاقتصادية، والأوضاع السياسية، التي تؤثر في ثقة المستثمر، وتقنعه بتوجيه استثماراته إلى بلد دون آخر. كما يقصد بمناخ الاستثمار ما يلي «مجمل الأوضاع والظروف المؤثرة في اتجاهات تدفق رأس المال وتوظيفه»، فالوضع السياسي للدول ومدى ما يتسم به من استقرار، بتنظيماتها الإدارية، وما تتميز به من فاعلية وكفاءة، ونظامها القانوني ومدى وضوحه وثباته وتوازن ما ينطوي عليه من حقوق وأعباء، وسياسات الدول الاقتصادية وإجراءاتها، وطبيعة السوق وآلياته وإمكانياته من بنى تحتية وعناصر الإنتاج، وما تتميز به الدول من خصائص جغرافية، وديموغرافية على ذلك بشكل ما اصطلح على تسميته بمناخ الاستثمار.
يلاحظ من خلال هذا التعريف، مناخ الاستثمار يُعبر عن مفهوم شامل للأوضاع والظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والقانونية والتنظيمات الإدارية التي يجب أن تكون ملائمة ومناسبة لجذب وتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية. ويجب التأكيد هنا على أن مبدأ السلامة يأتي قبل الربح وهو مبدأ أساسي يحكم القرارات الاستثمارية في كل زمان ومكان (حمد وعبد الله، 2018: 45).
فالمناخ الاستثماري المناسب ليس مقصوراً على العوامل الاقتصادية فقط، بل يتعداها إلى الظروف الاجتماعية، والسياسية السائدة، فعدم توفير استقرار سياسي داخلي وخارجي يعتبر عامل طرد للاستثمارات الأجنبية بأنواعها المختلفة مهما كانت الفرص والمزايا الاستثمارية المتوفرة.
فالسلامة قبل الربح مبدأ أساسي يحكم القرارات الاستثمارية في كل زمان ومكان، أما فيما يتعلق بمفهوم الاستثمار الأجنبي المباشر، فيتضمن إنشاء مشاريع أو شراء مشاريع قائمة، سواءً كانت مملوكة بالكامل للمستثمر الأجنبي أو امتلاكه لجزء من المشروع.
وقد شهدت الاقتصادات النامية تحولات مهمة في توجهات السياسات الاقتصادية منذ بداية عقد الثمانينات، تمثلت في سعي تلك السياسات نحو زيادة درجات التحرر الاقتصادي وتعميق مستويات التكامل الاقتصادي مع الاقتصاد العالمي.
فأخذ العديد من هذه الاقتصادات يتخلى تدريجياً عن السياسات الحمائية وسياسات تعويض الاستيراد، وتحولوا نحو تبني سياسة تشجيع التصدير وسياسات أكثر انفتاحاً في مجال التجارة والاستثمار، فأدخلت العديد من التعديلات على قوانين الاستثمار، بهدف تهيئة المناخ الاستثماري الملائم لاستقطاب تدفقات الاستثمار الأجنبي.
على الرغم من الإدراك بأن ذلك النوع من الاستثمار لا يشكل بديلاً عن الاستثمار والادخار المحلي، بل هو مكمل له، إلا أن هذا الاتجاه قد تعزز بعد تزايد الاقتناع بأهمية الدور الذي يلعبه الاستثمار الأجنبي المباشر في عملية التنمية الاقتصادية سواء من حيث كونه مصدراً مستقراً نسبياً للتمويل – مقارنة بالأنواع الأخرى من مصادر التمويل الأجنبي – أم من حيث كونه وسيلة هامة لتوفير فرص التشغيل ونقل تكنولوجيا الإنتاج، وتحديث الصناعات المحلية وتطوير القدرات التنافسية التصديرية للاقتصاد، وتحقيق الاستخدام الكفء للموارد النادرة.
فضلاً عن دوره في رفع مستوى الإنتاجية سواء من حيث تطوير المهارات والقدرات الابتكارية، أم من حيث تطوير الكفاءات التنظيمية والإدارية، وتحسين جودة المنتجات السلعية والخدمية، وتعميق وتوسيع الترابطات الإنتاجية، وزيادة مستوى وفورات الحجم.
ولكن هذا لا ينفي وجود بعض الآثار الاقتصادية والاجتماعية السلبية الضارة للاستثمار الأجنبي، التي تظهر كنتيجة لإزاحة جزء مهم من المشاريع المحلية من عملية الإنتاج والاستثمار، وهنا يبرز دور السياسات الاقتصادية في تعظيم المنافع وتقليل التكاليف. إذ لا تزال هناك مجموعة من الدول النامية ولأسباب غير اقتصادية، لا تمتلك القناعة بأهمية الاستثمار الأجنبي المباشر، إلا أن رغبة هذه المجموعة في الحصول على عضوية منظمة التجارة الدولية، ربما هي التي فرضت عليها اتخاذ بعض الإجراءات الهادفة إلى تخفيف القيود على التجارة والاستثمار.