د. مصطفى الدراجي – باحث
عرف العالم طرق التجارة الرابطة بين قارة آسيا وبقية قارات العالم منذُ زمن بعيد، ويعودُ تاريخها إلى بداية مزاولة التجمعات البشرية للتجارة، ومع تطور المجتمعات وتطور الصناعة بعد الثورة الصناعية، زاد الاهتمام بطرق التجارة وتحسينها من أجل زيادة الواردات التجارية، ومع انطلاق الثورة التكنولوجية في بداية القرن العشرين، ظهرت الضرورة الملحة للسيطرة على طرق النقل والممرات المائية من أجل السيطرة على التجارة العالمية وزعامة العالم، لذلك عادَ الاهتمام بمشاريع النقل القاري بين آسيا و أوروبا ومن عدة دول، وبمختلف الطرق، والمسارات، لكن جميعها كانت تمر بمنطقة الشرق الأوسط.
ومن تلك المشاريع: المشروع الصيني مشروع (الحزام والطريق)، الذي يبدأ بالصين ويمر بإيران، ومن ثم إلى تركيا، وأوروبا، والمشروع الأمريكي الهندي السعودي (مشروع الممر الاقتصادي أو الممرات الخضراء) والتي تربط الهند، والشرق الأوسط، وأوروبا بشبكة طرق وسكك حديد، وممرات ملاحية لنقل الطاقة والبضائع، ومن المقرر أن يربط الهند وجنوب شرق آسيا بأوروبا، والولايات المتحدة عبر سلطنة عمان، والسعودية بعيداً عن مضيق هرمز وميناء الفاو، وآخر تلك المشاريع (طريق التنمية) الذي يبدأ بميناء الفاو أقصى جنوب العراق وصولاً إلى أوروبا عبر تركيا، والتي تسعى كل من البحرين والامارات والمملكة العربية السعودية للمشاركة والاستثمار فيه أيضاً.
في هذه الورقة، نسلط الضوء على كل مشروع من المشاريع الثلاث، ونناقش أهميتها ونقاط الضعف أو المآخذ التي تؤخذ على كل مشروع، وأهمية المشروع العراقي، وكيف يمثل العراق عُقدة النقل الدولية لكل المشاريع القارية.
1. طريق الحرير الصيني.
تهدف الصين إلى التسويق للمبادرة أو المشروع الذي يعرف رسمياً باسم (الحزام والطريق)، هذه المبادرة هي مبادرة صينية قامت على أنقاض طريق الحرير القديم، ويهدف إلى ربط الصين بالعالم عبر استثمار مليارات الدولارات في البنى التحتية على طول طريق الحرير الذي يربطها بالقارة الأوروبية، ليكون أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية، ويشمل ذلك بناء مرافئ وطرقات وسككاً حديدية ومناطق صناعية.
وترتبط فكرة هذا المشروع بالتاريخ القديم لطريق الحرير التاريخي الذي يمتد منذ القرن الثاني قبل الميلاد، ويشير الاسم إلى شبكة الطرق البرية والبحرية التي ربطت بين الصين وأوروبا مروراً بالشرق الأوسط، على طول يتعدى عشرة آلاف كيلومتر، أما الطريق الجديد، فهو مشروع صيني عملاق تشارك فيه 123 دولة، تهدف الصين من خلال هذا المشروع إلى تسريع وصول منتجاتها إلى الأسواق العالمية، بما في ذلك آسيا وأوروبا وأفريقيا وأميركا الجنوبية والوسطى.
بدأت محاولات الصين لإحياء طريق الحرير بداية التسعينيات من القرن الماضي، عبرَ ما عُرف بالجسر البري الأوروبي الآسيوي، الذي يصل بين الصين وكازاخستان ومنغوليا وروسيا، ويصل إلى ألمانيا عبر سكك حديدية، في نهاية عام 2013، تم الإعلان عن مبادرة الحزام والطريق على لسان الرئيس الصيني شي جين بينغ.
كان التركيز الأول في هذه المبادرة على الاستثمار في البنية التحتية، والسكك الحديدية والطرق السريعة، وينقسم المشروع إلى ثلاثة مستويات، تشمل مناطق محورية ومناطق للتوسع ومناطق فرعية، يتألف المشروع الرئيسي من فرعين هما: البري (حزام طريق الحرير الاقتصادي)، والبحري (طريق الحرير البحري).