حسين شريف نعيم- باحث
مستخلص
يسلط البحث الضوء في مدى تأثر قيمة الدينار العراقي بالأحداث السياسية والاقتصادية، والتي سرعان ما تتسبب في تداعيات مزعزعة على مستوى المؤشرات المالية والاقتصادية للبلد. إذ صاحب تفشي جائحة كورونا وإغلاق المرافق العامة ركوداً وتراجعاً في الطلب العالمي على مواد الطاقة الاحفورية، الأمر الذي أدى إلى انخفاض أسعار النفط وحدوث تراجع في إيرادات العامة للبلد، وقد دفعت هذه الظروف حكومة (مصطفى الكاظمي) إلى تخفيض قيمة الدينار العراقي لمواجهة العجز في الموازنة العامة. إلا أن تلك الصورة اختلفت مع اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، والتي احدثت تحولاً في مشهد أسعار النفط وتسببت في تحقيق وفرة مالية، ومعها تعالت أصوات السياسيين العراقيين إلى إعادة قيمة الدينار العراقي إلى سابق ما كان عليه قبل التخفيض من خلال تسويق جملة من الحجج منها دعم الطبقة الفقيرة في المجتمع، الأمر الذي استجابت معه حكومة (محمد شياع السوداني) بصورة غير مباشرة، من خلال دعم قرار محافظ البنك المركزي العراقي (القديم الجديد) السيد (علي العلاق)، والذي عمد إلى تخفيض سعر صرف الدولار من (1450) إلى (1300) دولار.
المقدمة:
من البديهي اليوم القول بأن قيمة أي عملة محلية تتأثر بالعملات الأجنبية خاصة ذات الطابع القيادي، ويتباين هذا التأثير بتباين نظام الصـرف المتبع، وعلى الرغم من انهيار نظام برتن وودز عام 1973 والتخلي عن أنظمة الصـرف الثابتة والانتقال إلى الأنظمة المعومة، فإن أغلب البلدان النامية والناشئة، التي تعاني من خلل في الهيكل الإنتاجي، وجدت أنه من الملائم البقاء على نظام الصـرف الثابت، وفي ظل هذا النظام تؤدي الأزمات المالية وتقلبات الدورة الاقتصادية إلى تراكم الضغوط على قيمة العملة المحلية. ومع استمرار هذه الضغوط وعجز الادوات النقدية في تحقيق الاستقرار السعري، تضطر السياسة النقدية إلى تغيير قيمة العملة المحلية بالتخفيض أو الارتفاع. الأمر الذي يتسبب باختلال في النظام السعري للبلد. وتتميز البلدان الريعية بتشابك العلاقات المالية والنقدية، وهو ما ينعكس في السـرعة الانتقالية لمنبهات السياسة المالية على سعر الصـرف. إذ أن هيمنة الإيرادات النفطية على الموازنة العامة للبلد تقُود إلى تغيير في حجم الإنفاق الحكومي، والتي لابد أن تستدعي بالضـرورة تغيراً في حجم الطلب المحلي. ومع ارتفاع النزعة الاستهلاكية للبلدان الريعية مقارنة بالنزعة الاستثمارية الانتاجية فإن زيادة الانفاق الحكومي لا تؤدي بالضـرورة إلى زيادة الطلب على السلع المحلية مقارنة بالطلب على السلع الأجنبية، وهو ما يؤدي إلى تقلبات في قيمة العملة المحلية.
وتُعد أزمات النفط العالمية في مقدمة أسباب الخلل في النظام المالي والمصـرفي لتلك البلدان. إذ تتميز العائدات النفطية على نحو استثنائي بارتفاع إيراداتها من جهة وافتقارها إلى الاستقرار من جهة أخرى. بمعنى أن الإيرادات النفطية ذات تأثيرات آنية غير منتظمة المسار وغير قابلة للاستدامة، وعلى قدر تعلق الأمر بالعراق فإن هيمنة المتغيرات المالية على الأدوات النقدية بدأت تتضح مع اكتشاف الموارد النفطية في البلد. وأخذ معها مفهوم الدولة يتحول من الدولة الحارسة إلى المالكة، ومن ثم إلى الدولة المحتكرة، واستمر هذا الوضع طوال المدة التي سبقت قانون البنك المركزي رقم (56) لسنة 2004، إذ كانت أليات التمويل بالعجز التي مارسها المركزي تخضع لرغبات وأهداف السلطة المالية، بعيداً عن متطلبات النشاط الاستثماري الإنتاجي. وبعد عام 2003، وما شهده البلد من انفتاح اقتصادي أصبحت قيمة الدينار العراقي الشغل الشاغل للسياسة النقدية. وفي غياب العمق المالي وما له من تبعات في انخفاض مرونة سعر الفائدة في التأثير على النشاط الاقتصادي، ركزت السياسة النقدية على سعر الصـرف بوصفه هدفاً وسيطاً للتخفيف من الموجات التضخمية التي شهدها البلد خلال حقبة التسعينات، والسعي إلى تحقيق الاستقرار السعري، وهنا أضحى سعر الصرف أداة من أدوات السياسة النقدية.