د. علي فارس حميد – أستاذ الدراسات الدولية والاستراتيجية/ جامعة النهرين ، باحث رئيسي غير مقيم/ مركز البيان للدراسات والتخطيط
تتسم البيئة الدولية بأنها في غاية الغموض والتوجس، فحركة المتغيرات وما يرافقها من تعقيدات تجعل الدول الكبرى في تحسب مستمر للتوقعات، لأجل أن تكون قادرة على توظيف الفرص والمتغيرات الجديدة التي تتمكن من خلالها مواجهة تهديدات قائمة أو تحقيق مصالح مستحقة. وهذا ما يجعلها تراقب بشكل معمق للأحداث الدولية ومناطق الفراغ وفقاً لاهتمامات جيوبولتيكية تتصل بعقيدتها الاستراتيجية.
تأتي مؤسسات الفكر ومراكز الأبحاث في مقدمة المؤسسات التي تهتم بهذا المجال، فهي تتعامل مع الأحداث والتطورات الدولية وفقاً لمنهجية قياس المخاطر والاستجابة للتهديدات. وهذا ما تعمل عليه معظم الدول الكبرى، باختلاف طرق التعامل معها، كما هو الحال في التعامل مع الصين على سبيل المثال. إذ تسهم مؤسسات الفكر في الصين التي تترابط مع الحزب الشيوعي الصيني والجامعات الصينية في تقديم رؤى وتصورات ذات استرشادات خاصة كالحالة مع المجلس الوطني لتعاون مراكز الأبحاث في بريكس CCBTC والذي يعزز من خلال حواراته المتعددة مع مؤسسات بحثية وخبراء من مختلف دول عالم الجنوب في تقديم خيارات سياسية ناضجة ومدروسة حول كيفية التعامل مع حركة المتغيرات الدولية في عالم الجنوب.
وفقاً لإشكالية هذه الدراسة، فهل تطمح الصين إلى قيادة عالم الجنوب كاستراتيجية بديلة أو تكميلية لقيادة العالم؟ فإن طبيعة التعامل معها من منطق الفرضيات التي تتبناها الصين بحاجة إلى تحليل البنية الاجتماعية التي تستهدفها الصين في استراتيجيتها الأمنية وقياس المدى الذي تحاول أن تعزز فيه أداءها. فتقييم الفرص والتهديدات وفقاً لفرضيات النظرية البنائية يمكن أن يفسر تأثير البنية الاجتماعية للنظام الدولي على طبيعة التفاعلات، وهذا ما يقترب من الطريقة التي تتعامل بها الصين مع عالم الجنوب، والتي سيتم التعامل معها على أنها هدف استراتيجي يمثل سياسة الصين الخارجية.
من الناحية الجيوبولتيكية فإن الصين تتعامل مع ثلاث مناطق: المنطقة الأولى تشمل أفريقيا، وهي منطقة ذات أهمية استراتيجية من ناحية الاستثمار والتبادل الاقتصادي. ويمكن أن تقع هذه المنطقة جيوبولتيكياً ضمن منطقة العمل، فهي تُعزز قدرة الصين وتستهدفها من حيث بناء علاقات جادة، قد تنتقل بشكل تدريجي إلى التنمية ودعم المساعدات.
أما المنطقة الثانية فهي منطقة الشرق الأوسط ذات الأهمية الاقتصادية، والتي تعد جزءاً هاماً من طريق الحرير الجديد كما تطلق عليه الصين، أو جزءاً من مجال الصناعات البتروكيماوية عن طريق العلاقات المنتجة مع المملكة العربية السعودية وتحديداً شركة أرامكو.
أما المنطقة الثالثة فقد كانت تشمل آسيا باعتبارها منطقة استهداف جيوبولتيكي، إلا أن ملامح الأداء السياسي تتجه نحو عالم الجنوب، وهذا ما يبرر الأدبيات التي تحاكيها الصين ضمن نظريات تستهدف أنموذج التنمية ومجال الحركة في منطقة العمق الاستراتيجي، الذي تراه الصين أقرب إليها بعد تأمل دقيق في البنية الاجتماعية للنظام الدولي. وهذه المنطقة تقع ضمن هدف القيادة، وهذا المستوى يبين عملية الانتقال في فرضيات الأداء الاستراتيجي، والتي ستحدد عملية بناء الفرضيات في تصميم استراتيجية الصين على مستوى ادارة الشؤون الخارجية.