حسن فاضل سليم – باحث في الشأن السياسي
الملخص
تُمثل عملية طوفان الأقصى عملية نوعية لحركة حماس تم فيها اختراق الدفاعات الصهيونية لأول مرة. حيث جرى القتال داخل المستوطنات الصهيونية، وذلك بعد أن كانت الحروب السابقة تجري داخل قطاع غزة. لذلك، فإن لهذه الحرب تداعياتها على فلسطين والكيان الصهيوني والمنطقة وما بعدها ليس كما قبلها، بالتالي تحاول هذه الورقة دراسة أهم المشاهد المستقبلية لهذه الحرب وما ستغيره من طبيعة الصراع العربي-الإسرائيلي. وما هي التغيرات التي يمكن أن تنجم عن نتائجها التي مازالت مجهولة حتى لحظة كتابة هذه السطور. ويمكن افتراض مجموعة من المشاهد المستقبلية للحرب وهي:
أولاً: مشهد انتصار حماس والتسوية على حدود 1967:
يفترض هذا المشهد أن تتمكن حماس من الانتصار في المعركة والتصدي للهجوم الإسرائيلي وأن تقوم بهجمات جديدة داخل المستوطنات الصهيونية في غزة التي انسحبت منها سابقاً. كما أنه يفترض أن يتوسع القتال ليشمل الضفة الغربية بشكل كامل إلى جانب قطاع غزة، مع سيطرة على مجموعة من المستوطنات الجديدة.
وعلى الرغم من انسحاب مقاتلي حماس من معظم المستوطنات في غزة، إلا أنهم لايزالون قادرين على تجديد هجماتهم داخل هذه المستوطنات. كما أنهم تمكنوا من خلال هذه العملية من تهجير أكبر عدد من المستوطنين في غزة.
إن القتال لأكثر من شهر هو أمر لم يتعود عليه جيش الاحتلال الذي بنى عقيدته العسكرية منذ سنين على مبدأ الحرب الخاطفة والضربة الاستباقية. لذلك، فهو غير قادر على التكيف مع التصدي لهجوم مباغت على أراضيه، وأن يكون في وضع دفاعي لمدة تزيد عن الشهر. وهو أمر قد يؤدي إلى انهيار الروح المعنوية للجندي الصهيوني مما قد يؤدي لخسارة الكيان الصهيوني لمناطق أكثر مما قد يضطره لاحقاً تحت ضغط العملية العسكرية والضغوط الدولية إلى وقف الحرب والقبول بالتفاوض ، إلا أن التفاوض من موقف ضعف قد يؤدي بقبول واقع جديد هو الأقرب للتحقق من وهو العودة إلى حدود عام 1967 والقبول بإزالة المستوطنات التي أقيمت خارج اطار هذه الحدود والانكفاء إلى الداخل، لاسيما أن المبادرات العربية وبعض المبادرات الدولية ترى أن حل الدولتين لن يتحقق إلا من خلال العودة إلى حدود العام 1967، إذ يعد هذا الحل أحد الشروط السعودية للقبول بالتطبيع، كما أنه يحظى بتأييد دولي من قبل الأمم المتحدة، إلا أنه تمت مواجهته سابقاً برفض إسرائيلي، وقياساً للواقع الميداني الحالي وقت كتابة هذه السطور فقد تراجعت إسرائيل عن شن حملة عسكرية شاملة على غزة وغيرت خطتها إلى عمليات برية محدودة وفقاً لتوصية المستشارين الأمريكيين، وذلك بعد أن أستنتج المسؤولين الأمريكيين وفقاً لتحليلهم للوضع الميداني عدم قدرة القوات الصهيونية على تحقيق أهدافها من القضاء على حركة حماس كما أنهم توقعوا أن يتسبب الهجوم الشامل على غزة بخسائر كبيرة للقوات الصهيونية، وما حفز الكيان على القبول بهذه المقترحات هو فشل قواته في الهجوم البري الأول على غزة في ليلة 28/10/ 2023 وتكبد تلك القوات خسائر فادحة.
إن ظروف الواقع الميداني قد تجبر الكيان الصهيوني على القبول بحل وقف أطلاق النار والتفاوض على إخراج كل الأسرى الفلسطينيين من السجون الصهيونية، مقابل إطلاق سراح جميع أسرى حماس. والقبول بوضع تقسيم جديد على الأرض وفقاً لحدود ما قبل عام 1967، مع احتمالية حصول تدخل لأطراف دولية كروسيا والصين في المفاوضات، وأن لا تهيمن الولايات المتحدة على إدارة عملية التفاوض بين الكيان والفلسطينيين، وقد أوصى المفكر الاستراتيجي الأمريكي (روبرت دي كابلان) بمقالة له على مجلة الأمن القومي (National interest) الإدارة الأمريكية بالضغط على إسرائيل للقبول بشكل من أشكال حل الدولتين وفقاً لحدود العام 1967 مع ضمان أن تسمح الولايات المتحدة لإسرائيل باستعادة الردع كما فعلت إدارة نيكسون عام 1973 عندما سمحت لإسرائيل باستعادة الردع نسبياً ومن ثم لجأت بعد ذلك للسلام وتنازلت عن أراضي استولت عليها بعد حرب عام 1963، بالتالي وفقاً لهذا المشهد يمكن أن تكون النتائج هنا في غير صالح إسرائيل.