د. رائد شهاب أحمد – أستاذ العلوم السياسية، الجامعة العراقية
المقدمة
ليست قضية الشذوذ الجنسي بالجديدة، إلا أن انتشارها بشكل متزايد قد يولد ردود أفعال حكومية في الدول ذات الغالبية المسلمة وأخرى شعبية لدى الجاليات العربية والمسلمة في الدول الغربية. رغم أن سن القوانين يُعد قضية داخلية بحتة إلا أن تجريم تلك الحالات في دول العالم الثالث قد يدفع إلى انتقادات من قبل قوى عظمى ودول غربية ومنظمات دولية على حد سواء بدافع أن تحجيمها أو تجريمها يمثل تقييد للحريات والحقوق. مع ذلك، يبقى للجاليات قدرة على مواجهة مخاوفهم على أبنائهم (بسبب تعرضهم لمناهج دراسية تدعو أو تبين ما المقصود بذلك النوع من المطالب) مرتبط بعوامل عدة أهمها قوتهم الانتخابية والتفاوض مع المرشحين لمنحهم حق اختيار دراسة تلك المناهج بدل الإلزام.
الشذوذ الجنسي: التفاوت في المنح والمنع
كثيراً ما يتم تحويل القضايا العامة إلى سجال سياسي على المستوى الداخلي. هذا الأمر ينطبق على الدول بأشكال الحكم المختلفة والتي تتراوح بين الديمقراطية والديكتاتورية. بشكل خاص، تمثل هذه المطالب غير المسبوقة محط اهتمام الأحزاب السياسية في الدول الديمقراطية كون أن تبنيها أو معارضتها يجلب أصوات في الانتخابات من خلال تبني سياسات لأحد الاتجاهات. من بين تلك القضايا هي مطالب الأفراد والجماعات في الحرية بالتزاوج بين شخصين من جنس واحد بشكل رسمي أو تحول الشخص من جنس إلى آخر وغير ذلك من الأمور المشابهة. بالنتيجة، تتبنى الأحزاب السياسية في الدول الديمقراطية تحقيق أو منع ذلك خلال التصريحات والحملات الانتخابية ومنح وعود للناخبين في العمل على منع أو منح تلك المطالب في حال الفوز.
المنح المطلق:
تمثل أوروبا أكثر القارات منحاً للحقوق والأقل تقييداً لها مقارنة بدول ديمقراطية أخرى كدول شرق آسيا (كوريا الجنوبية واليابان) وحتى الولايات المتحدة الأمريكية. لذلك، يعود منح مثل تلك المطالب إلى حقبة التسعينيات بشكل واسع أو ربما قبلها أيضاً. وهنا يجب أن نفرق بين أن تكون لمثل تلك المطالب جانب تشريعي وبين أن تكون ممارسات فردية لا يردعها القانون. على سبيل المثال، في حال رغب شخص في مثل تلك الدول تغيير جنسه إلى جنس مغاير فلا يوجد مانع قانوني على ألا يترتب على ذلك ضرر شخصي أو عام. من جانب آخر، قد تتطلب بعض المطالب تشريعاً لجعله امراً رسمياً كمنح حق الزواج بين شخصين من ذات الجنس كون الأمر يترتب عليه تبعات والتزامات مدنية بين الطرفين.
في الولايات المتحدة الأمريكية، كان موضوع الزواج بين شخصين من ذات الجنس يمثل جانب خلاف حسب الولاية كونه أمر لم يكن محسوماً على المستوى الفيدرالي وأيضاً جانب خلاف بين الحزبين. فبينما يدعمه الحزب الديمقراطي، يعارض قسم كبير من الجمهوريين ذلك التوجه خاصة في الولايات الجنوبية. ففي أكثر من تصريح، أكد الرئيس السابق دونالد ترامب على أنه يجب التمسك بالعائلة التي يكون الوالدين فيها ذكر وانثى وليس شيئاً آخر. رغم ذلك، حسمت المحكمة العليا في البلاد أمر حق التزاوج بين شخصين من ذات الجنس في جميع الولايات لكن ذلك لا يعني أنه أمر تم تقبله اجتماعياً بشكل كامل. مع ذلك، تتباين الولايات الأمريكية في دعم أو منع تداول كتب في المكتبات العامة تروج للاعتراف بالشذوذ الجنسي. ففي فلوريدا التي تعتبر ولاية محافظة، دافع حاكم الولاية قراره بمنع دعم أي جانب يتعلق بالترويج للمثلية الجنسية خاصة بالنسبة للأطفال. حيث يدعم غالبية المصوتين قرار الحاكم.بخلاف ذلك، صادق الرئيس الأمريكي جو بايدن في ديسمبر/كانون الأول من العام 2022 قانون يحمي زواج المثليين في البلاد دعماً «للمساواة».