عزَّام علوش – باحث
المقدمة
شهد العراق -في السنوات الماضية- كثرة العواصف الترابية، وتصاعد شدتها، كما أنَّ درجات الحرارة آخذة في الازدياد في العراق والمنطقة (3 إلى 5 درجات مئوية، مقارنة مع الستينيات من القرن الماضي)، وشهدنا فترات جفاف متعددة في العقدين الماضيين، وحتى تساقط الثلوج وهطول الأمطار يبدوان غير منتظمينِ، وآثار هذه التغيُّرات على العراق تزداد؛ لبناء السدود في تركيا وإيران، وقيام إيران بتغيير مسارات الأنهار.
تتفاقم تأثيرات هذه السدود؛ لعدم التنسيق بين دول المنبع والعراق، فضلاً عن عدم تحديث طرائق الإرواء في العراق، مع أنَّ الدراسات الإستراتيجية تدلُّ على الحاجة الماسة لتقليل هدر الموارد المائية المحدودة داخل العراق. إذ أدَّى بناء السدود على منابع نهرينا إلى تقليل كمية المياه الواصلة لهما، ممَّا يؤثِّر سلباً على الإنتاج الزراعي، ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد، وقد تسبَّب انخفاض التدفُّق المائي إلى شط العرب في ارتفاع اللسان الملحي إلى أعالي شط العرب؛ ممَّا سيتسبَّب في تملُّح الأراضي على جانبي شط العرب، ومعاناة البصرة من نقص في مياه الشرب. ووَفْقاً للدراسات الإستراتيجية لوزارة الموارد المائية العراقية، ستواجه البلاد عجزاً يصل إلى (10.8) مليار متر مكعب من المياه سنوياً بحلول عام 2035 إذا لم يُتَخَذ أي إجراء لتحديث إدارة الري والموارد المائية.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ الزراعة الإروائية (السيحية) كانت مستدامة لآلاف السنين في العراق؛ بسبب الفيضانات التي تجرف الأملاح الناتجة من زراعة الموسم الصيفي، فضلاً عن ترسيب طبقة جديدة من الغرين والطين سنوياً؛ لتجديد حيوية الأراضي الزراعية من دن الحاجة إلى سماد. ولكن بسبب بناء السدود في دول المنبع، أصبحت الفيضانات نادرة، وآخر فيضان -الذي كان في فيضان سنة 1968- مسح الأراضي الزراعية مسحاً كارثياً، ونتيجة هذه التراكمات، واستمرار الفلاح العراقي باستعمال الطرائق السومرية في الإرواء، مع عدم وجود الفيضانات الدورية هو أنَّ (54%) من بلادنا معرَّض لخطر تدهور الأراضي، ويؤثِّر التصحُّر على (39%) من مساحة الأرض.
ووَفْقاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، يحتل العراق المرتبة الخامسة على مستوى العالم من حيث هشاشة الاقتصاد، وتعرُّض البلد لآثار التغيُّر المناخي، من حيث احتمال فقدان مصدر رئيس للاقتصاد (بيع النفط، والغاز)، ونقصان المياه، وازدياد عدد السكان. تشكِّل هذه العوامل تهديداً طويل الأمد للظروف المعيشية لملايين العراقيين، وتضعف استدامة الاقتصاد العراقي على المدى الطويل، وإجمالاً، تشكِّل هذه العوامل تهديداً ملحَّاً على الأمن القومي العراقي.
وترتبط هذه الهشاشة بأنَّ العراق قد فقد أساس نشاطه الاقتصادي التقليدي القائم على الزراعة، والتجارة، وأصبح مدمناً على الدخل الريعي وقوامه بيع النفط الخام وتصديره. في الوقت الذي يتجه العالم بصورة أو بأخرى إلى تقليل استهلاك الوقود الأحفوري؛ لتقليل تراكم ثاني أوكسيد الكاربون؛ ممَّا يعني أنَّ الطلب على النفط الخام سينخفض، ومن المتوقَّع أن ينخفض الطلب عن مستواه الحالي، وهو (100) مليون برميل يومياً إلى (25) مليون برميل يومياً في 2050. سيبقى العراق من منتجي النفط؛ نظراً لانخفاض كلف الإنتاج، ولكن مهما كان الإنتاج اليومي، من الصعب أن يفي الدخل حاجة العدد المتوقَّع من العراقيين في2050 ، وهو حوالي(80) مليون عراقي إذا ما استمر التزايد السكاني بالوتيرة نفسها.
طوَّرت معظم دول المنطقة صندوقاً سيادياً يُسْتَخدم لخدمة الأجيال المقبلة، لكن للأسف دخل العراق في حروب مدمرة مع إيران، واحتلال الكويت، تلتها عقوبات لعقد من الزمان، ثم عشرين عاماً من عدم الاستقرار، وبِلا أي تغيير في النهج الاقتصادي الاشتراكي في إدارة الدولة والقوانين، ممَّا أعاق إنشاء مثل هذا الصندوق السيادي في العراق، وممَّا يزيد الأمر تعقيداً الزيادة السريعة في أعداد السكان، والاعتماد الكامل للعراقيين على الوظائف الحكومية التي تنتج القليل في صورة قيمة مضافة لاقتصاد الدولة، فقد أصبح اقتصاد الدولة العراقية عبارة عن عملية إعادة توزيع الدخل النفطي على الموظفين الذين لا ينتجون، وتحوُّل الوظائف الحكومية إلى بطالة مقنعة، وللأسف تُستعمل في أحيان كثيرة للأسف؛ لشراء الأصوات الانتخابية عن طريق المحسوبية. وما تبقَّى من فائض في الدخل النفطي يضيعه الفساد، ومشاريع ضخمة عديمة القيمة، وغير مجدية.
تتفاقم آثار تغيُّر المناخ -في غضون هذا الارتباك الكبير في العراق؛ لعدم وجود إجراءات عاجلة من جانب صانعي السياسة العراقيين؛ لتدارك هذهِ الكارثة، واستمرار الممارسات المهدرِة للمياه، والتي تفترض أنَّ المياه متوفرة بِلا حدود، وأنَّ الحفاظ على الطاقة والموارد غير ضروري، في حين يفرض الحال وجوب أن يصبح التصدي لتغيُّر المناخ أولوية وطنية للعراق.