د. حيدر نعمة بخيت – باحث
الملخص
السياسات العامة الذكية والفاعلة تبنى على أساس تصنيف البيانات الدقيقة للسكان، والعراق أزداد إلى حدود الضعف تقريباً منذ آخر إحصاء سكاني نٌفذ في عام 1997، وإلى يومنا هذا لا توجد هناك نية حقيقة للتعداد.
من منظور ديموغرافي يضمن الهيكل العمري للشباب أن سكان العراق سيستمرون في النمو حتى لو انخفض متوسط الخصوبة إلى مستوى الإحلال Replacement level، ويمكن للاستثمارات في التعليم والصحة إن تعزز العمالة الكاملة والمنتجة للجميع، بما في ذلك عمالة النساء.
العراق لا يزال في مرحلة مبكرة من نافذة فرصته الديموغرافية. للمضي قدمًا في بناء اقتصاده وتطويره، إلا أن المعطيات في الواقع تشير إلى عدم نجاحه في ترجمة هذه الفرصة الديموغرافية إلى مسار نمو اقتصادي مستدام، من خلال بناء اقتصاده وتحسين مستواه المعيشي والحد من الفقر.
الاستغلال الأفضل للهبة الديموغرافية يتوقف على السياسات الحكومية ومدى قدرتها على توفير فرص العمل المناسبة للمساهمة في الاقتصاد ومن ثم زيادة الناتج المحلي الإجمالي والتنمية. وبخلاف ذلك فإن الفشل سيكون وبالا على العراق.
العراق سيُعد أمة مسنة عندما يشكل السكان العاملين (65+) 7% من إجمالي السكان بحلول نهاية العقد التاسع من القرن الحالي، ولن يتم اعتبار العراق أمة مسنة حتى حين السكان العاملين فوق سن 65 سنة 14% من إجمالي السكان حتى عام 2086.
العائد الديموغرافي في العراق يتوقف على تنظيم الأسرة الفعال والرعاية الصحية والتعليم السليم والذي يمكن أن يعزز الإنتاجية الاقتصادية.
النمو المرتفع للسكان يعد سيف ذو حدين في العراق، فمن جهة يصنف حسب البنك الدولي من البلدان ذات الدخل المتوسط الأعلى، ومن الناحية النظرية البلاد قادرة على التعامل مع النمو السكاني الكبير من خلال زيادة الإنفاق الحكومي والاستثمار في البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية، ولكن مثل هذه السياسات سترهق الموارد الطبيعية والبيئة والاقتصاد والأمن الاجتماعي والتصحر والعشوائية والتعجيل بانهيار الخدمات العامة وزيادة المطالب والضغط على الحكومة.
المقدمة
يعد النمو الديمغرافي (السكاني) من القضايا المهمة التي تؤثر على مختلف جوانب الحياة في أي مجتمع، بما في ذلك الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. وقد ظل التنظير حول حجم السكان وطبيعته موضوعاً مهماً منذ زمن بعيد من قبل العديد من الفلاسفة والمفكرين ورجال السياسة والاقتصاد والاجتماع. وتحتل قضية (حجم السكان ومؤشراته) الأهمية الكبيرة في وقتنا الحالي إذ أصبحت محل اهتمام كبير ومستمر من قبل الدول والمنظمات الدولية ومنها الأمم المتحدة عبر مؤسساتها المختلفة. وذلك لكون البيانات الديموغرافية تعد غاية في الأهمية في توفير أساس واقعي للقرارات المتعلقة بمسائل السياسة العامة للدولة والمؤسسات الدولية والإجراءات المتعلقة بالشؤون الاجتماعية والاقتصادية، ويمكن معالجة هذه البيانات للإشارة إلى المتطلبات الحالية والمستقبلية للسكان من حيث أنواع ومدى الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع مثل الصحة والتعليم والتوظيف والنقل والسكن وغيرها.
يعد العراق من البلدان التي تعيش في المرحلة الثانية من مراحل النمو السكاني والتي تسمى بالمرحلة الديموغرافية الشابة أو مرحلة الانفجار السكاني، إذ تتميز هذه المرحلة بالنمو السريع للسكان وارتفاع معدل النمو الذي قد يقترب من 2.5% نتيجة استمرار ارتفاع معدلات الولادات يقابلها انخفاض معدلات الوفيات، مع تميز الهرم السكاني بارتفاع نسبة صغار السن. كما يعكس الهرم السكاني العراقي فتية سكان العراق إذ يشكل من هم بسن 14 سنة وأقل أكثر من 37% من إجمالي سكان العراق، ومن هم بسن 24 سنة وأقل يشكلون حوالي 57% من اجمالي سكان العراق.