د. عبد العظيم جبر حافظ – أستاذ النظم السياسية والسياسات العامة في كلية العلوم السياسية/ جامعة النهرين
مقدِّمة:
تعدُّ الهويَّة الوطنيَّة وعياً متطوراً على الانتماء الفرعي، وهي وعي مقترن بنشوء الدَّولة، إذ تمثِّل الهويَّة من المنظور السٍّياسيّ محوراً مركزياً في عملية بناء الدَّولة والأمَّة، فبعد كلِّ دورة زمنية في التاريِّخ تبرز حاجة المجتمعات لتأكيد ذاتها أو مراجعة لانتمائها، هذه الحاجة تتجسد بصيغة الانتماء، وتؤطر بملامح أو مشتركات إنسانيَّة، اجتماعيَّة، ثقافيَّة، تنعكس على المستوى السٍّياسيّ ويسمى هذا الانتماء(بالهويَّة) كمضمون للمواطنة.
إنَّ مفهوم (الهويَّة) من المفاهيم السٍّياسيَّة المثيرة للجدل، برزت ضمن أطر من الروابط والمصالح المشتركة، فنجد أنَّ ثمة هويَّة (قوميَّة) أو هويَّة (دينيَّة) أو هويَّة (عرّقية) أو هويَّة (طائفيَّة)، وهي تمثِّل نماذج لهويات (فرعيَّة) ضيِّقة، ولكن هناك نموذج أوسع عندما تكون هويَّة جامعة ـ لأكثر من قوميَّة ودين وطائفة، وبهذا تتجاوز الهويَّة إطارها الفرعي ـ لتعبِّر من ثمَّ عن المشترك الأوسع في الانتماء، وهو (الهويَّة الوطنيَّة) التي تنتمي إلى الجغرافية والتأريَّخ والروابط والاتصالات والمصالح المشتركة. بقدر تعلق الأمر بالعراق، فإنَّ ما حصل(منذ تأسيسه عام 1921م) هو بناء دولته الحديثة قبل تأسيس هويته الوطنية، فإنَّ حقبة تأس,يس الدولة العراقية تخللها غياب أو ضعف الوعي السٍّياسيّ، الاجتماعيّ، الثقافيّ لمفهوم الهوية الوطنية، فقد ظلَّ الانتماء الفرعي هو المسيطر على هاجس المكوّنات العراقية، وبدا واضحاً ذلك في الدساتير العراقية منذ (القانون الأساسي/1925م) حتى دستور عام 2005م، فلم يفلح العراق بتأسيس نظام سياسيّ عقلاني (رشيد) يواجه ويجد حلولاً لمشاكله، سيما على مستوى مسألة الهوية الوطنية ـ فقد انتهجت النخب السٍّياسيّة الحاكمة سياسة (التمييز الإثني) وممارسة الاضطهاد بأنواعه المختلفة، والذي راح ضحيته مكونات عراقية وأقليات أخرى، مما انعكس على تنمية الروح المحلية في الوعي السٍّياسيّ/ الثقافي العراقي بدلا من تشكل(الدولة/ الأمة/ الهوية العراقية) ممَّا شكل أزمة؛ بسبب ثقل الموروث (الاجتماعي السياسي) الثقافي الذي تجسد في الاتجاهات (القومية، الدينية، المذهبية أو التوحيدية) إذ لم تتوانى عن استخدام العنف، مما أدى إلى انقسامات اجتماعية، سياسية، ثقافية، كردة فعل على هذه الاتجاهات، فأفضى إلى إشعار الفئات العراقية.
غير العربيةـ بعدم عراقيتهم ـ ومن ثمَّ اغترابهم عن الهوية العراقية. وبما أن الدستور يعد وثيقة أساسية للدولة الحديثة؛ لأنَّه يمثل انعكاسًا للواقع السٍّياسيّ، الاجتماعي، الثقافي، الاقتصادي، فقد ظلت الهوية الوطنية العراقية قضية جدلية إذ تم بناء الدولة الحديثة قبل تأسيس الهوية الوطنية؛ لأن عملية بناء الدولة قد بدأت من الأعلى، إن أزمة الدولة العراقية تعود إلى عدم اقترانها بمشروع بناء الهوية الوطنية العراقية، ولا تزال تبحث عن هوية!! فقد هيمنت (الحالة القومية) العربية على الهوية العراقية، بأنَّ العراق جزء من الأمة العربية. وهنا تثار أسئلة عديدة أهمها:
أوّلاً: إذا كان العراق جزء من الأمَّة العربيَّة، فأين مجال الهويَّة العراقيَّة؟
ثانياً: هل أنَّ المنطقة العربيَّة تشكِّل أمَّة؟
ثالثاً: وإذا غلبت الهويَّة القوميَّة العربيَّة على الهويَّة العراقيَّة، فمن نحن؟
لذلك سنناقش ذلك تحت العناوين التالية:
أوّلاً: مفهوم التغيير السٍّياسيّ.
ثانياً: مفهوم الهوية الوطنية العراقية.
ثالثاً: ظروف نشأة الدساتير العراقية والهوية الوطنية.
رابعاً: الدستور العراقي الدائم والنافذ لعام 2005م والهوية الوطنية.