حيدر عبد المرشد – باحث
مقدمة:
ربما يكون الحديث عن مركزية الأحزاب في العمل السياسي في الدولة الحديثة من نافل القول، وفي الديمقراطيات بشكل خاص، وقد سبق لمركز البيان كتبَ عن الأحزاب السياسية والديمقراطية، وضرورة وجودها ـ الأحزاب ـ كعنصر أصيل في العمل السياسي الديمقراطي، لا تكتمل الديمقراطية بدون الأحزاب ولا يمكن أن تعمل.
على هذا الأساس، وما دام العراق سائرا ًفي عملية التحول الديمقراطي، بشكل سليم أو بطريقة صعبة، فإن وجود التنظيم الحزبي لا فرار منه، ولا يمكن الاستغناء عنه بأي طريقة من الطرق.
وعلى الرغم من أن تأسيس الأحزاب العراقية بشكل رسمي قد رافق تأسيس الدولة، مع إنشاء الحزب الوطني ـ حزب محمد جعفر أبو التمن ـ ناهيك عن التنظيمات ما قبل الحزبية التي سبقت تأسيس الحزب، إلا أن التجربة الحزبية في العراق لا تزال تعاني من مخاضات تأسيسية متكررة، وتدور في حلقات تاريخية مفرغة، تخضع لاشتراطات الحقب المضطربة التي لازمت الحياة السياسية في العراق، وتنقل النظام السياسي فيه من الملكية الى الجمهوريات الشمولية وصولاً إلى صدمة العام 2003 وبدء عملية التحول الديمقراطي بطريقة عاصفة عنيفة.
وبينما يذهب البعض من الباحثين إلى أن الأحزاب الملكية كانت أحزاب تمثل في الغالب مصالح مجموعة معينة، وترتبط بحدث معين، فإن الأحزاب الأخرى التي تشكلت ضمن ظرف تاريخي معين، وفي حقبة زمنية معينة، ارتبطت هي الأخرى بظرف تأسيسها وخضعت لاشتراطاته، ناهيك عن التمرس الأيديولوجي الذي أفرغ نشاطها الوطني في أحيان كثيرة من محتواه، وصيرها تابعاً لأيديولوجيا عابرة للحدود، مرتهنة لأفكار الحزب الأب.
فضلا عن ذلك، فإن نشأة الأحزاب المعارضة تحت وطأة الأنظمة الشمولية في العهود الجمهورية، والقمع، واضطرارها إلى العمل السري، انعكس بطريقة أو بأخرى على أداء الأحزاب السياسية، بشكل واضح حين انتقلت من المعارضة إلى الحكم دون تجربة متراكمة في العمل الحكومي، وفي ترسيخ الآليات الديمقراطية داخل الحزب، وتنظيم انتقال الزعامة فيها بشكل سلمي، ديمقراطي، الأمر الذي أثر بطبيعة الحال على علاقتها بالحكم، بالدولة والنظام السياسي، وبالأحزاب الأخرى.
على هذا الأساس، يعتزم مركز البيان تقديم سلسلة من الأوراق، تقيم من خلالها الحياة الحزبية في العراق، عبر انتخاب نماذج مختلفة، زمنية، وحزبية، وهذه الورقة هي إطار عام مكثف ومختصر يضع القارئ في سياق المشروع والأوراق التي ستنجز في غضونه.