الخلفية:
تشيرُ البحوث والدراسات إلى أن حجم المخاطر الاجتماعية المرتبطة بالتغيّرات المناخية التي يشهدها العراق اليوم، بعضها نابع من الأنشطة البشرية المتمثلة بطرح كميات هائلة من الغازات الناتجة عن أنشطة التصنيع المختلفة، ومحروقات الوقود الأحفوري النفط والغاز، وارتفاع معدلات النمو السكاني، وتجريف البساتين والمناطق الخضراء، وبعضها الآخر يرتبط بأنه جزء من العوامل الطبيعية المتمثلة بالغازات الدفيئة حول الأرض، فتحبس حرارة الشمس؛ مما يؤدي إلى الاحتباس الحراري وتغيّر المناخ، وتُشكل هذه الأنشطة البشرية والعوامل الطبيعية علاقة مترابطة ومتبادلة تؤثر في بعضهما البعض.
تأثر العراق في السنوات الأخيرة بالتغيّرات المناخية خصوصاً مع ارتفاع درجات الحرارة والجفاف الشديد في المناطق الجنوبية واشتداد الغبار والعواصف الرملية والهجرة الداخلية، مما يؤشر على تفاقم الأخطار المصاحبة للتغيّر المناخي المتمثلة بالانبعاثات الطبيعية كالبراكين وارتفاع درجة حرارة الأرض، وتغيّر ميلانها، والانبعاثات البشرية المتمثلة بـ الوقود الأحفوري، وتجريف المساحات الخضراء والغابات، وجفاف الأهوار والمستنقعات، والمعارك والحروب والانفجارات. حيث ستُناقش هذه الدراسة المخاطر المرتبطة بالتغيّرات المناخية على أرض الواقع وكلفة هذه الأخطار على الواقع الاجتماعي، وكذلك سياسات الحكومة العراقية في الاستجابة لآثار التغيّرات المناخية.
الانبعاثات المؤثرة في التغيّرات المناخية:
يقصد بتغيّر المناخ حدوث تغيّر في حالة المناخ أو إخلال في الظروف المناخية المعتادة كالحرارة والأمطار والرياح لفترات طوية أو مؤقته ويحدث بسبب عمليات داخلية طبيعية أو تأثيرات خارجية أو تغيّرات مستمرة بشرية المنشأ في تركيب الغلاف الجوي ، ومن هذا المنطلق نحاول الكشف عن الانبعاثات الطبيعية والبشرية المؤثرة في تغيّر المناخ وهي كما يلي:
أولاً: الانبعاثات الطبيعية
على الرغم من أن الانبعاثات الطبيعية تكون أقل تواتراً من الانبعاثات البشرية إلا أنها لا تقل خطراً، فتنوّع الانبعاثات الطبيعية كحدوث البراكين في المناطق غير المستقرة من الكرة الأرضية، والتغيّر والاختلاف المركزي في مدار الأرض، وارتفاع مستويات البقع الشمسية تؤثر في المناخ، ومن الملاحظ أن ثوران الحمم البركانية يصل مداه إلى مئات الكيلومترات، مما يؤشر على تصاعد الغبار والأتربة والرماد إلى ارتفاعات عالية تتجاوز (35كم)، وبذلك يؤدي إلى انخفاض عام في الإشعاع الشمسي (انخفاض درجة الحرارة) يصل إلى (12%) أو أكثر من ذلك حسب قوة ثوران البركان وطول مدته. ويستمر تأثير البركان حتى بعد خموله لمدة تصل من (1-2) سنة ويرتفع الرماد البركاني إلى ارتفاعات عالية تتجاوز (32) كم، فضلاً عن برودة المناخ وارتفاع الرطوبة، وهي ترتبط بالنشاطات البركانية، وقد أدت البراكين القوية التي حدثت في أواخر القرن العشرين إلى انخفاض درجة حرارة الأرض (1.5م) في السنة التالية لحدوث البركان، مثل بركان تشيشون في المكسيك في عام 1982، الذي أُلقي حوالي (12) مليون طناً من الكبريت في الجو، وبركان بناتوبوه في الفلبين في عام 1991، الذي أُلقي في الجو حوالي (25) مليون طناً من الكبريت، وللغازات التي تُلقيها البراكين (ثاني أكسيد الكبريت، ثاني أكسيد الكربون) تأثير على مكونات الغلاف الجوي وعلى وجود بعض المشكلات الجوية مثل الأمطار الحمضية كما أن بعض غازاته مثل أكاسيد النيتروجين (NOx) مسؤولة عن تآكل غاز الأوزون في الستراتوسفير، فضلاً عن أن كمية الحرارة المنبعثة من انفجار البراكين تعمل على رفع درجة حرارة الغلاف الجوي المحيط، وهناك علاقة بين الثورات البركانية وانخفاض درجة الحرارة وزيادة الرطوبة، إذ أن السنوات التي انخفضت فيها درجات الحرارة في القرون الماضية كان أحد أسبابها زيادة النشاط البركاني وعلى العكس أن فترات الدفء تتعاصر مع الفترات التي لم يكن فيها ثوران بركاني، فالتراب البركاني يقلل من سطوع الشمس إذ أن هذه الأتربة تكون عامل مساعد على تكوين السحب كما أن دقائق الغبار تساعد على تكوين بلّورات الجليد في الهواء الذي تنخفض درجته إلى ما دون التجمد والمشبع ببخار الماء.