عبد المجيد صلاح داود – أستاذ علم الاجتماع / جامعة الأنبار
أدت التحوّلات السّياسية والمجتمعية الكبرى منذ تأسيس الدولة العراقية، إلى جانب الحروب والنزاعات المسلحة، والأزمات التي لحقت بالمجتمع العراقي، إلى وقوع الهدر الاجتماعي داخل المجتمع، إذ إن تلاحق الأزمات والنزاعات خلال السنوات السابقة تسبب الاهتمام بالمجال العسكري على حساب المجالات الأخرى وأبرزها المجال التعليمي، ووفقاً لتقرير صدرَ عن منظمة اليونيسيف، فإنه في المدة من عام 2014 – 2015، أُهدر ما مجموعه (1.5) تريليون دينار عراقي ضمن نظام التعليم؛ بسبب حالات الرسوب والتسرّب، نلحظ أن التعليم في العراق من بين أبرز إشكاليات المجتمع، إذ أصبح كل شيء مهدور بفعل السّياسة التعليمية التي أفرزت حراكاً اجتماعياً غير متوازن، وازدواجية بين الحياة اليومية ومشكلاتها المتراكمة، وبين الحياة العلمية التقليدية التي يحلق فيها الشخص عالياً في سماء العِلم. إذ ينقل قالب خاص كأن المعلومة ثابتة والحقائق محددة، لا يعطي فضاءً جيداً للتشابك والاختلاف والبحث عن عمق الأفكار، ولا مجال للنقد وأحياناً حتى التحليل، وهنا تُهدر العقول، وتنعدم فرص الإبداع، إذ تجهزُ الجامعات نتاجات للعيش في عالمٍ ليسَ موجوداً كما يورد ألبير كامو ما ينطبق جلياً على العراق، عالم مهدر اجتماعياً من حيث ضياع مقومات الاقتدار المعرفي من المعلومات، الأدمغة، الفكر الإبداعي، تدني مهارات البحث العلمي، تَعَطُل إسهام القادة والمثقفين وأصحاب الشهادات العليا، إلى جانب ازدواجية الخطاب العام، وعوام زعق الإرهاب الفكري. إذ يجبر نظام التعليم في العراق الطلاب للحصول على مقعد في كلية مفضلة، حفظ كتبهم المدرسية بالكامل؛ حتى حقق هذا النظام نتائج سيئة للغاية، إذ رسَّخ هذا النظام الأسلوب التقليدي في الاعتماد على الحفظ من أجل تحقيق علامات كاملة.
وظلت المؤسسات لا ترقى إلى أساليب التعليم الحديث؛ بسبب الهدر الاجتماعي الذي نراه أشد الظواهر ضرراً على بناء المجتمع، المتمثل بتعطيل الخريجين وأصحاب الشهادات العليا على عكس ما تشير إليه الإحصاءات الرسمية بوجود فجوة أو نقص داخل الجامعات ففي جامعة الأنبار كلية الإدارة والاقتصاد خلال عام 2019، هناك (1500 طالب) وعدد التدريسيين (41 تدريسي)، بالتالي، مقدار النقص هو (34 تدريسي)، وعجز آخر في كلية التربية للبنات التي تضم (4690 طالبة) وعدد تدريسيها (130تدريسي)، ومقدار النقص (4 تدريسي)، في حين أن مقدار العجز في كلية التربية الأساسية هي (2 تدريسي) بحسب المعيار بوجود (1030 طالباً) و(27 تدريسي)، وبقية الكليات هناك نقص بعدد الطلبة، حتى تؤكد لجان وزارة التخطيط على ضرورة تطوير الجامعات لمواكبة تطورات الجامعات الأخرى.
مما يثير الدهشة، أن توافد الطلاب للدراسة في العراق ضئيل للغاية ومعدوم في أغلب الجامعات؛ بسبب نقص التعليم الجيد ومحدودية الموارد واستمرار النزاعات، كما تشكل العوامل نفسها التي تدفع التنقل الخارجي عقبات أمام التنقل الداخلي وتجعل البلد حالياً وجهة دراسة غير جاذبة حتى بالنسبة للبلدان المجاورة. فخلال عامي 2000 و2004، انخفض عدد الطلاب الأجانب في البلاد من (8280) إلى (3557). أبلغ معهد التعليم الدولي عن ستة طلاب أمريكيين فقط يتابعون دراساتهم في العراق في عامي 2013-2014، ولم يعد هناك سوى ما يُعدّ بأصابع اليد منذ ذلك الحين.