د. علي عبدالأمير الكعبيّ – عميد كلية الآداب بجامعة بغداد وأستاذ الديموغرافيا والدراسات السكانية
مقدمة
مع بداية التفكير بمغادرة فكرة الحتمية الجغرافية الطبيعية، والتي سيطرت على الفكر الإنساني لعقود سرعان ما عادت، ولكن بمنظور جديد، وبدت تستحوذ على الأفكار والنقاش، ولكن حتمية ببعد الجغرافية البشرية، وتحديداً ببعدها السكاني، وجوانبها الديموغرافية، والاجتماعية، والحضارية، والثقافية، وتتمحور في حتمية التغيير والتغيير المستمر في مسار لا يمكن تغييره للمجتمع السكاني في اتجاهات الانتقال الديموغرافي تمر به جميعها إلا أنَّها تختلف فيما بينها في سرعته، وستنال كلاً من خصائصه نصيب منها والبعد الآخر في التأثيرات الناجمة عن البعد الأول ترتبط بكل مرحلة من مراحل التغيُّر، وتتعلَّق بالفئة السكانية كالأطفال والشباب والفتيات والنساء كبيرات السن، وأحوالهم، أو المجتمع السكاني ككل، وتتعدَّاه إلى أوضاع البلد ومستقبله أمام هذه الحتمية ببعديها، ويعمل الجميع كحكومات ومؤسسات ومنظمات للمواجهة والتهيؤ والاستثمار والتوجيه.
تتعرَّض هذه الدراسة إلى الأبعاد الثلاث، وهي التغييرات الديموغرافية والسكانية التي يمر بها، وستحدث في المجتمع السكاني في العراق حتى عام 2050، وتتحدَّث عن صورة التغيُّر الحتمي حتى ذلك التاريخ، وفي قبال ذلك تتطرَّق إلى التأثيرات والتحديات في كل منها، وبمجالاتها الديموغرافية، والتنموية، وتحاول في النهاية أن ترسم ملامح عامة للعمل في البعد الرسمي، وغير الرسمي وما يميز الدراسة أنَّها الأولى من نوعها، إذ تنظر إلى التغيُّرات مجتمعة، وللأبعاد المذكورة، ولمدة تصل إلى أكثر من (35) سنة من الآن. وظَّفت فيها أسلوب المحاكاة، وفي كل الأحوال لا يمكن لهذه الصفحات أن تستكملها استكمالاً وافياً، ويراد أن تزداد الكتابات في هذا المجال؛ للفت النظر إلى أهميتها أولاً، والمساهمة في صنع القرارات وبناء السياسات ثانياً.
فالسكان متغيُّر كمي ونوعي، يؤثِّر ويتأثَّر بالتغييرات الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والبيئية، ويجب النظر إليها مجتمعة، واعتماد نهج دورة الحياة في التخطيط الإنمائي بدلاً عن التخطيط التقليدي المتبع اليوم في العراق.
حجم السكان إلى أين؟ (تحديات متعددة واستجابات محدودة):
يتغيَّر حجم السكان في كل دقيقة، ويمثِّل مسار هذا التغيُّر الكمي في العقود القادمة تحولاً ديموغرافياً وسكانياً سينعكس على حياة الأفراد والدولة، فما هي طبيعة التغيرات الجديدة؟ وما تهديداتها، ومخاطرها، ومستلزماتها، وفرصها الضائعة فيما لو لم يخطط لها لتكون ذات أثر متعدد الأبعاد؟
يبلغ سكان العراق مع بداية عام 2022 (41 مليون نسمة)، مقابل (40 مليون نسمة) للعام الماضي، وبزيادة سنوية تقدَّر بـ(900 ألف نسمة) تقريباً، تضاعف سكان العراق بمقدار (3.5) ثلاث مرات ونصف منذ عام (1977)، إذ بلغ حينها (12 مليون) وسيتضاعف (6 مرات) حتى عام (2050)، وتميَّز في الربع الأخير من القرن العشرين بالزيادة بوتيرة عالية، وتكشف هذه الأعداد أنَّ الزيادة ستكون ما يقارب (8.5 مليون) كل عشر سنوات، وتشير التقديرات بحساب معدل النمو المتوسط إلى أنَّ حجم السكان سيبلغ في عام 2050 (71 مليون نسمة)، أي: ما يقارب ضعف سكان اليوم.