علي المعموري- باحث
مدخل
يجد المتتبع للحالة العراقية أن هناك قدراً كبيراً من الإحباط يدور حول عملية إعادة بناء النظام السياسي العراقي وفق المبادئ الديمقراطية، وشكوى مما يمكن أن يوصف بأنه فوضى في إدارة النظام السياسي في العراق، وتذمر من مستويات الفساد، وأساليب العمل السياسي المرتبكة، والتي لا تخضع أيضاً إلى قواعد ثابتة.
ولكن، يمكن أن نسأل هنا، هل أن التجربة العراقية بدع في تجارب البناء الديمقراطي؟، أم أن هذه الفوضى والارتباك هي من ملازمات التحول الديمقراطي؟
تحاول الورقة الإجابة على هذا السؤال باقتضاب.
أولاً: شروط الديمقراطية
مثل أي مفهوم اجتماعي، يواجه مفهوم الديمقراطية جدلا ًكبيراً، وتتعدد وجهات النظر بشأنه، وينتقل الجدل من التفكير الأكاديمي إلى التفكير عبر الأيديولوجيا، بطبيعة الحال لن نستطيع حصر هذه المفاهيم هنا، لكن يمكن لنا أن ننطلق من أحدها وصولاً إلى الشروط اللازم توفرها في نظام سياسي ما لنصفه بأنه ديمقراطي.
يشير تشارلز تيللي في كتابه الديمقراطية إلى أن التعاريف الموضوعة للديمقراطية تتلخص ضمن أربع مقاربات رئيسة، يمكن إيجازها نقلاً عنه بما يلي:
الدستورية: تركز على القوانين التي يسنها نظام الحكم بشأن الأنشطة السياسية.
الجوهرية أو الحقوق الأساسية: تركز على الظروف الحياتية والسياسية التي يسعى نظام حكم ما إلى تعزيزها، بمعنى، هل يعزز هذا النظام رخاء الناس وحرياتهم الفردية وأمنهم ويحقق العدالة؟
الإجرائية: تدور حول مجموعة ضيقة من الممارسة السلطوية، يتم في ضوئها تحديد ما إذا كان نظام حكم ما يمكن أن يوصف بالديمقراطي أو لا، وفي الغالب تنحصر هذه الإجراءات بالانتخابات التي تقوم على تنافس حقيقي وتضم عدداً كبيراً من المواطنين وتؤدي إلى تغيير في السياسيين والسياسة.
العملياتية: تعيّن حداً أدنى لمجموعة من العمليات التي يجب أن تعمل باستمرار ليمكن وصف نظام ما بالديمقراطي، وهي تضم -وفقا لروبرت داهل- المشاركة الفعالة، والمساواة في حق التصويت، والفهم المستنير للسياسة، وتنظيم جدول الأعمال، وشمول البالغين بالقدرة على الانغمار في العمل السياسي.
بكل الأحوال، هذه المقاربات لا يمكن أن تعطي كل واحدة منها بمفردها تعريفاً شاملاً دقيقاً للديمقراطية، الأمر الذي جعل تشارلز تيللي يضع أربعة معايير لتقييم الديمقراطية عبر تفحص سيرها وطبيعة النظام الذي تدور ضمنه، وهي:
الاتساع: يتم تقييم الديمقراطية في نظام سياسي ما عبر هذه الفكرة بقياس عدد من يمتلكون الحقوق السياسية في البلاد، وكلما اتسعت شرائح من يمتلك هذه الحقوق، اتسعت دائرة تقييم النظام السياسي بأنه ديمقراطي.
المساواة: تنطلق من قياس وجود المساواة بين الإثنيات المختلفة في البلاد، وعدم استبعاد أي جماعة، إنها مساواة في الحقوق والواجبات.
الحماية: يرتفع مؤشر الديمقراطية لوصف نظام السياسية بها كلما كان النظام السياسي قادراً على برهنة حمايته لمواطنيه بشكل متساوٍ، وعدم امتلاك العناصر المنغمرة في الحكم للقدرة على استغلال مناصبهم الشخصية ضد خصومهم دون مساءلة.
مشاورات الالتزام المتبادل: تتعلق بدرجة كبيرة بالمطالب والقبول، بمعنى استجابة عناصر النظام السياسي للمطالب العامة عبر الدوائر الانتخابية وغيرها، ورضا وقبول المواطنين بدورهم بالإجراءات المتخذة على أساس مطالبهم، وكلما ارتفعت نسبة الاستجابة والقبول، ارتفعت درجة النظام في قياس ديمقراطيته.