خضير عباس الدهلكي- طالب دراسات عليا / برنامج دكتوراه السياسات العامة – جامعة النهرين
تمهيد
ابتداءً لابد من التأكيد أن تناول هذا الموضوع ينطلق من دوافع وطنية وشعور بالمسؤولية في نقد اليات العمل الحزبي في العراق وهذا النقد لا يعني بأي حال من الأحوال إنكار تضحيات الأحزاب السياسية ونضالها السياسي، اذ يُعد العراق من أوائل الدول في العالم العربي والشرق الأوسط الذي شهد ظهور الأحزاب السياسية، منذ صدور أول قانون للأحزاب السياسية تحت مسمى قانون إجازة الجمعيات السياسية الذي أقرته الحكومة العراقية في الثاني من تموز 1922، وقد تضمن القانون الكثير من القيود على الأحزاب المقترح تشكيلها جراء تدخل سلطة الانتداب البريطاني يومها خشية من مطالبة هذه الاحزاب بالاستقلال.
لقد مرت الحياة السياسية والعمل الحزبي في العراق بمراحل متعددة ومتنوعة بين الازدهار والتراجع تارة؛ وبين الحرية والقمع تارة أخرى؛ وبين حزب حاكم أوحد وتعددية حزبية أحياناً أخرى. أجمالاً فأن العمل الحزبي في العراق لم يتخذ مساراً واحداً ولم يكن على وتيرة ثابتة تبعاً لطبيعة النظام السياسي والمشهد السياسي الداخلي المتأثر بصراعات القوى الدولية وتدخلاتها بالشأن السياسي العراقي مايقتضي بحث الحالة وفقا لمراحل الحياة الحزبية.
مراحل الحياة الحزبية
يمكن تقسيم الحياة الحزبية في العراق الى أربع مراحل وعلى النحو الاتي:
1. المرحلة الأولى التي بدأت في حقبة النظام الملكي الذي أستمر منذ تأسيس العراق الحديث عام 1921، لغاية 14تموز 1958، واتسمت هذه المرحلة بوجود قانون ينظم عمل الأحزاب السياسية والانتخابات في ظل جو من التسامح السياسي، بالرغم من وجود هيمنة للقوى والشخصيات السياسية المرتبطة بمصالح القوى الغربية المتحكمة بالمشهد السياسي الدولي آنذاك؛ تأسست مجموعة من الأحزاب ذات التوجهات الوطنية (الوطني العراقي، حزب الاحرار، حزب الامة، حزب النهضة العراقية، حزب الإخاء الوطني وحزب العهد العراقي وحزب الإتحاد الدستوري) التي اتسمت بسمات عدّة سواءً من كانت منها في السلطة أو المعارضة هي:
كانت توجهات الأحزاب وطنية وبعيدة عن النزعات الضيقة أو الولاءات الفرعية، ما أسهم في استمرار الوعي الوطني والقومي.
تلاحظ محدودية برامجها السياسية وغياب الرؤية المستقبلية لنظام الحكم في العراق، اذ اقتصرت على المطالبة بأن تكون صلاحيات الملك رمزية وتشكيل حكومة دستورية تمثل إرادة الشعب، وتم تبني هذه الدعوة بسبب رفض النظام الملكي تبني مشروع الانفتاح السياسي، الذي يقوم على أساس التعددية السياسية رغبةً منه لاحتكار السلطة والبقاء فيها.
محدودية القاعدة الجماهيرية الحزبية، لحداثة تجربة الأحزاب السياسية
ما يحمل الدارس إلى القول بأن السمة الأبرز للأحزاب في هذه المرحلة كانت تقترب من الوصف بأنها صالونات غير جماهيرية تقتصر على النخب المؤلفة من تحالف بين الطبقة البرجوازية الناشئة والإقطاعيين بتوجهات وطنية، وبشعارات مثّلت توجهات وميول النخبة الاجتماعية والسياسية آنذاك، ومع بداية عقد الثلاثينيات من القرن العشرين بدأت تبرز ظاهرة تعاظم دور الجيش في السياسة، وظهور الأحزاب الايديولوجية الجماهيرية، التي تتوافر فيها مواصفات الأحزاب السياسية على الرغم من كونها انعكاس لأيديولوجيات خارجية في سبيل تحقيق الاستقلال وبناء الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية، فضلاً عن تبلور قيادات تتمتع بمواصفات كاريزمية وشعور وطني مسؤول وامتلاكها الوعي والمستوى الثقافي العالي والحضور الاجتماعي، وهياكل وتشكيلات تنظيمية لها القدرة والامكانية على تعبئة وتحشيد الجماهير وزيادة الوعي السياسي لشرائح المجتمع أهلتها للقيام بنشاطات وممارسات جماهيرية كان لها الأثر الكبير في تغيير بعض قرارات السلطة القائمة كتظاهرات 1948، ضد معاهدة بورتسموث، ورغم هذا المناخ النسبي للتعددية فإن السلطة القائمة مارست محاولات لمنع وقمع بعض القيادات الحزبية وصل بعضها لتنفيذ أحكام بالإعدام كما جرى لزعيم الحزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان (فهد) في 14 شباط 1949.