خضير عباس الدهلكي – باحث متخصص في أحازب اليمين المتطرف الأوروبية
مقدمة
تستعرضُ هذه الورقة أزمة الاحتجاجات التي شهدتها معظم المدن الفرنسية بعد مَقتل الشاب الجزائري «نائل المرزوقي» على يد أحد أفراد الشرطة الفرنسية، والإجراءات التي قامت بها تجاه المحتجين وطبيعة مواقف الأحزاب السياسية والتداعيات الناجمة عن العنف والشغب وأسباب تدهور وضع الضواحي التي يوجد فيها المهاجرون وجنوحهم للعنف. إذ تمثلُ الاحتجاجات وأعمال العنف التي شهدتها فرنسا مؤخراً التحدي الرابع الذي واجهه الرئيس إيمانويل ماكرون خلال فترتي ولايته الرئاسية، بعد احتجاجات أصحاب السترات الصفراء عامي 2019-2020، والاحتجاجات في شهر آذار من العام الحالي بسبب إصلاحات قانون التقاعد، ثم إضراب جامعي القمامة الذي أُطلق عليه احتجاجات «سلة القمامة»، ليجد الرئيس الفرنسي ماكرون نفسه هذه المرة أمام تحدّي الحفاظ على هيبة الدولة واحترام النظام العام من جهة، وضرورة الحفاظ على السلم والاستقرار المجتمعي ومستقبل الشباب المهمش من جهة أخرى.
وسبق أن توقّع الاتحاد الأوروبي أن تؤثر موجة الاضطرابات الاجتماعية التي أعقبت إصلاح نظام التقاعد على النشاط الاقتصادي في النصف الأول من العام الجاري. وقال: «إن تراجع التضخّم وتخفيف التوترات الاجتماعية قد يؤديا لانتعاش تدريجي في النصف الثاني من العام» . لكن هذه التوقعات المتفائلة تتعارض مع الوضع الصعب الحالي، فلا يزال التضخّم في فرنسا مرتفعاً في حين بدأ النصف الثاني من العام على وقع احتجاجات عنيفة قد يكلف البلاد الكثير على الصعيد الاقتصادي. ومن المؤكد أن أعمال العنف والاحتجاجات ستنجم عنها تداعيات وانعكاسات على المشهد السياسي والتنافس المحتدم بين القوى والأحزاب السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار والتي لم تتوان في استثمار وتوظيف هذه الأزمات لاستقطاب شرائح اجتماعية بعينها لتعزيز رصيدها الجماهيري وكسب المزيد من المؤيدين والاستفادة من أصواتهم في الانتخابات.
1. أسباب الاحتجاجات وأعمال الشغب
بدأت الاحتجاجات بتاريخ 27 /حزيران /2023، على إثر مقتل شاب من أصول جزائرية يُدعى «نائل المرزوقي»، عندما تعرض إلى إطلاق نار بعد أن أوقفته الشرطة حيث كان يقود سيارة مستأجرة وتجاوز نقطة تفتيش. مما أدى إلى تحوّل العاصمة الفرنسية باريس والعديد من المدن والضواحي في فرنسا إلى بؤرة للاحتجاجات الواسعة والعنيفة بعد خروج آلاف المتظاهرين للاعتراض على عنف الشرطة، على إثر ذلك تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطعاً يُظهر تجاوز الشاب نائل لحاجز الشرطة بسرعة وتعرضه لإطلاق نار من مسافة قريبة، لتنتهي الحادثة باصطدام السيارة بحاجز جانبي، وعدم تمكن الإسعاف من إنقاذ الفتى قبل وفاته. ما تمثلَ بموجة واسعة من الاحتجاجات، انطلقت من ضاحية نانتير قرب باريس، وتداول رواد مواقع التواصل العديد من مقاطع الفيديو التي تظهر فيها مشاهد احتراق بعض المنشآت والسيارات، وفقدان السيطرة على المحتجين في الشوارع. وتداول المغردون مقطعاً فيديوياً يُظهر استعراضاً للأسلحة في أحد الشوارع، بعد نهب أحد محال بيع الأسلحة في مدينة مرسيليا. كما انتشرت مقاطع عديدة لمشاهد اقتحام متاجر علامات تجارية شهيرة وقيام المتظاهرين بأعمال نهب وسلب لهذه المتاجر.