د. مصطفى الدراجي – باحث
يعدُّ اهتمام الصين بمنطقة الشرق الأوسط حديث مقارنة بالدول الكبرى، إذ يعود تاريخ أولى العلاقات الدبلوماسية الصينية مع دول الشرق الأوسط إلى نهايات القرن التاسع عشر، على الرغم من وجود علاقات تاريخية تجارية منذ العصور القديمة، ولكن لم يكن الأمر على سواء في العلاقات السياسية خلال العصور الحديثة.
بمرور الوقت تزايدت أهمية الشرق الأوسط، والمنطقة الخليجية بالتحديد في المدرك الاستراتيجي الصيني، لذلك، أولت الصين أهمية كبيرة للمنطقة، وقامت بتوسيع علاقاتها الدبلوماسية، وزيادة استثماراتها وتبادلها التجاري مع دولها، وأصبح هناك اعتماد متبادل بين الصين وبعض الدول الخليجية من ناحية توفير النفط الخام للصين مقابل توريد البضائع الصينية، ومع زيادة قوة الصين وسعيها إلى إن تكون قطب عالمي ثانٍ غيرت من استراتيجيتها وسياستها الخارجية حيال منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، إذ لم تعد تعتمد على توريد السلع والبضائع لدول المنطقة فحسب، بل امتدت صادراتها إلى بيع السلاح والتقنيات العلمية، وافتتاح المشاريع الاستراتيجية المشتركة، وهي بذلك أصبحت تُزاحم الولايات المتحدة في مناطق نفوذها في الخليج العربي، والأكثر من ذلك أصبحت تقدم نفسها كصانع للسلام في الشرق الأوسط، وليس كمحرضة للحرب مثل الولايات المتحدة الأمريكية، خصوصاً عندما استطاعت إن تقود الوساطة للصلح ما بين السعودية وإيران، وهي بذلك تتبع استراتيجية استتباب الأمن، والابتعاد عن الحروب، والانقسامات الدينية والعرقية، ودعم مشاريع المصالحة الدولية من أجل ازدهار عملية التجارة والتنمية التي تقودها وخاصة في الدول التي يمر فيها مشروعها العملاق مشروع الحزام والطريق.
في هذه الورقة نحاول تسليط الضوء على استراتيجية الصين وسياساتها الخارجية لمنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي بالتحديد، وتتبع تاريخ علاقة الصين مع المملكة العربية السعودية وفق المجالات الدبلوماسية، والاقتصادية، والعسكرية.
أولاً: الاستراتيجية الصينية تجاه الشرق الأوسط
تتحدد سياسة الصيـن تجاه الشرق الأوسط محدّدة بالسياق المعقد للإقليم، بملاحظة التنافس الشديد بين دول الإقليم من جهة وبين القـوى العظمى من جهة أخرى، وعليه، فإن الاستراتيجية الصينية تُعنى بالحفاظ على تحقيق توازن دقيق بين العديد من الأولويات التي قد تتعارض مع بعضها أحياناً، وإقامة العلاقات المتساوية بشكل منعزل بين الدول المختلفة والمتصارعة، علاقات بدأت بالجانب الاقتصادي حتى توسع طموح الصين لتصبح علاقات استراتيجية عسكرية، إن تاريخ بدء اهتمام الصين الملحوظ بالشرق الأوسط والمنطقة العربية بدء من نهايات القرن العشرين، وأخذت رؤاهم تتضح، واستراتيجياتهم تكتمل بداية القرن الحادي والعشرين، وصولاً إلى العام 2016 والذي شهد حدثاً مهماً في العلاقات بين الصين والشرق الأوسط من خلال سلسلة من التحركات السياسية للصيـن أهمها الرحلة الأولى للرئـيس الصيني، شي جين بينغ، إلى دول الشرق الأوسـط (المملكة العربية السعودية، وإيران، ومصـر، ومن ثم إلى الإمارات العربية المتحدة)، والتي شكلّت قدراً كبيراً من الأهمية، حيث أتت بعد تنامي كبير للانخراط الاقتصادي الصيني في المنطقـة، وأرسلت رسالة واضحة إلى دول المنطقة تعبر فيها عن أهميتها بالنسبة للصين، وأخذت العلاقات بالاتساع لتصبح علاقات استراتيجية مع عدد مهم من الدول العربية وبالأخص المملكة العربية السعودية، وعقدت قمم استراتيجية دورية بين المملكة العربية السعودية والصين من جهة، والصين والدول العربية من جه أخرى، وفي الآونة الأخيرة تعدى اهتمام الصين بالمنطقة العربية الجانب الاقتصادي، ليصبح لديها اهتمام سياسي بمشكلات المنطقة حتى تدخلت في مسألة الصلح بين السعودية إيران، وأصبحت بذلك تنافس الولايات المتحدة اقتصادياً وسياسياً واستراتيجياً في منطقة الشرق الأوسط، التي طالما نظر إليها بوصفها منطقة نفوذ أمريكي.