مها زينل- باحثة متدربة في مركز البيان
الفساد ظاهرة تمتدُّ امتداداً لا يحدُّه حدود، إذ لم تترك دولة إلا وطالته، ومن ثَمَّ لم يسلم أي مجتمع من المجتمعات من ظاهرة الفساد، ومن الجدير بالذكر أنَّ هذه الظاهرة لم تفرِّق بين دولة متقدمة وأخرى متخلِّفة، إذ إنَّها مرتبطة بوجود الإنسان أينما كان، لكن لا يمكن إنكار أنَّ انتشار هذه الظاهرة تجسَّد تجسُّداً أكبر في الدول النامية منها من الدول المتقدمة، إذ إنَّها تمثِّل بيئة خصبة لنمو هذه الظاهرة؛ لأسباب عديدة، منها عدم توفُّر ما يكفي من شفافية ونزاهة تكفل ضمان وجود رقابة مستمرة لأداء الأجهزة الإدارية، وتطبيق القانون التطبيق الأمثل.
تعريف الفساد الإداري والمالي
من الصعب إيجاد تعريف موحَّد للفساد الإداري، وترجع هذه الصعوبة لأسباب عديدة من بينها تعقد ظاهرة الفساد وتشـعُّب معالمهـا وأسبابها، واختلاف مناهج دراستها، وتعدُّد صور التعبير عنها، وتنوُّع خلفيات المشاركين في نقاشها وبحثها، وأُعْطِيت تعاريف عديدة لهـذه الظاهرة، ومن ضمن التعاريف التي أعطيت للفساد الإداري تعريف منظمة الشفافية الدولية، إذ عرَّفته بأنَّه استغلال السلطة للمنفعة الخاصة، أمَّا البنك الدولي فيعرفه بأنَّه إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص، وعُرف الفساد في مشروع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد على أنَّه «القيام بأعمال تمثِّل أداء غير سليم للواجب، أو إساءة استخدام لموقع أو سلطة بما في ذلك أفعال الإغفال توقعاً لميزة، أو سعياً للحصول على ميزة يوعد بها أو تعرض أو تطلب بصورة مباشر أو غير مباشرة».
كما يعرف اﻟﻔﺴﺎد ﻋﻠﻰ أنه «اﻟﻨﺸﺎطﺎت اﻟﺘﻲ تكون داخل اﻟﺠﻬﺎز الإداري، واﻟﺘﻲ تؤدِّي إﻟﻰ انحراف ذلك اﻟﺠﻬﺎز عن أهدافه؛ ﻟﺼﺎﻟﺢ أهداف خاصة، سواءً ذلك بأسلوب فردي أم بأسلوبٍ جماعي»، وﻴﻌرف ﻋﻠﻰ أنَّه «ذلك السلوك القائم ﻋﻠﻰ الانحراف عن الواجبات الرسمية المرتبطة بالمنصب اﻟﻌﺎم ﻓﻲ سبيل تحقيق مصلحة خاصة».
أمَّا الفساد المالي فيُقْصَد به (ذلك السلوك غير القانوني المتمثِّل في هدر المال العام وأعمال السمسرة في المشاريع وتجارة السلاح)، وهدر المال العام هنا يتخذ صوراً عديدة، من أهمها:
اختلاس المال العام والعدوان عليه، كتضخيم فواتير الإنفاق العام لصالح أفراد أو طبقات معينة.
المتاجرة عن طريق الوظيفة، كأن يقوم الموظف العام بأخذ رسوم مقابل خدمة تقدمها الدولة مجاناً للمواطنين، أو يزيد على الرسم المقرَّر للحصول على الأرباح.
أعمال السمسرة، إذ تتضمَّن عمليات التلاعب في سوق الصرف مثل تجارة العملة وسوق المال الخاصة بالأسهم والسندات وبعض الأعمال من شركات السمسرة كإصدار الأسهم من دون أرصدة.
وتتحدَّد أسباب الفساد الإداري بما یلي:
1. أسباب بیئیة واجتماعیة: تعود إلى التربية والسلوك، أي: عدم غرس القیم، والأخلاق الدینیة في نفوس الصغار؛ ممَّا یؤدِّي إلى سلوكیات غیر حمیدة، مثل: الرشوة، وعدم احترام الأحكام، والقوانین.
2. أسباب اقتصادیة: تعود إلى سوء الوضع الاقتصادي والمعیشي، إذ يعاني معظم الموظفین من عدم القدرة على الوفاء بمتطلبات المعیشة، فیجد لنفسه مبرراً لتقبُّل الرشوة؛ لسد النقص المادي الذي یعاني منه.
3. أسباب سیاسیة: تهيِّئ ضریبة عدم الاستقرار السیاسي المناخَ والجو المناسب للفساد الإداري.
وللفساد الإداري مظاهر عديدة، تتمثَّل بالانحرافات الإدارية، والوظيفية أو التنظيمية، ويمكن إجمالها بالآتي:
أولاً: الفساد الوظيفي التنظيمي: يرتبط الفساد الوظيفي التنظيمي بالانتهاكات التي يرتكبها الموظف العام أثناء تأديته لمهام وظيفته، والتي تضر بالعمل وانتظامه، كعدم الالتزام بأوقات العمل ومواعيده، في الحضور والانصراف، أو إضاعة الوقت باستقبال الزوار والانتقال من مكتب إلى آخر، أو تأدية الأعمال الشخصية، والامتناع عن أداء العمل، أو التراخي والتكاسل، وعدم تحمُّل المسؤولية، وإفشاء أسرار الوظيفة وغيرها.