المقدمة:
شهدت العلاقات بين مصر وإيران تغيّرات كثيرة، ومعظمها في الاتجاه السلبي، منذ انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979. فقد تفجّرت اﻷزﻣﺔ في العلاقات بين البلدين منذ قيام الجمهورية الإسلامية في إيران؛ فعندما أطاحت الثورة الإسلامية بشاه إيران، رفضت معظم الدول استضافته، لكنّ الرئيس أنور السادات وقتها منح حق اللجوء للشاه، فأغضب هذا الأمر الإيرانيين. بالإضافة إلى ذلك، رفضت إيران بشدة اتفاقية كامب ديفيد التي قد وقّعها أنور السادات مع إسرائيل، مما أدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجانبَيْن. بعدها تصاعدت التوترات بين البلدين، خاصةً عندما دعمت القاهرة العراق في حربه ضد الجمهورية الإسلامية في عهد أنور السادات وحسني مبارك. وبعد اغتيال الرئيس أنور السادات عام 1981، أطلقت الحكومة الإيرانية على أحد شوارع طهران اسم «خالد الإسلامبولي» المتهم بارتكاب الجريمة، الأمر الذي جعل العلاقات بين البلدين أكثر توتراً وتعقيداً. کما اتهمت القاهرة طهران برعاية الإرهاب في الشرق الأوسط ودعم الجماعات الإسلامية المسلحة في مصر خلال فترة التسعينيات. ومنذ ذلك التاريخ، تراكمت الخلافات الثنائية والإقليمية والدولية التي ألقت بظلالها على آفاق تحسين العلاقات الثنائية بين البلدين.
في الحقيقة، تسببت سلسلة من العوامل والمتغيّرات في حدوث توتر بين العلاقات الإيرانية المصرية على مدى العقود الأربعة الماضية، حيث تناقصت أهمية بعض هذه العوامل بمرور الوقت واستُبدلت بمجموعة جديدة من العوامل. وقد خلقت هذه القضايا قيوداً وعقبات أمام استئناف العلاقات بين طهران والقاهرة. وبالطبع، بذلت جهود كثيرة لتقريب وجهات النظر واستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. ففي عام 2004، عُقد اجتماع سري بين رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الأمن القومي الإيراني وأسامة الباز، المستشار السياسي في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك. وبعد مفاوضات القاهرة تم التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بين مصر وإيران. لكنّ الاتفاق سقط أمام رفض صانعي القرار في كل من القاهرة وطهران. وبعد سقوط نظام الرئيس المصري حسني مبارك في بدايات عام 2011، انطلقت العلاقة بين إيران ومصر من جديد، لكن دون أن تصل إلى مستوى العلاقة الطبيعية حتى، سواء في ظلّ حكم الرئيس محمد مرسي، أو حكم عبد الفتاح السيسي.
ومنذ بداية عام 2021، بدأت التكهنات حول تطبيع العلاقات بين إيران ومصر. وقد بُذلت دولتا العراق وسلطنة عُمان جهوداً كبيرة للتوسّط؛ لتطبيع العلاقات بين طهران والقاهرة. حيث كشفت مصادر دبلوماسية مصرية، في تموز/يوليو 2022، عن عقد اجتماع رفيع المستوى خلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى سلطنة عُمان، جمع مسؤولين مصريين وإيرانيين، بتنسيق عُماني. کما كشف وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين في مقابلة مُتلفزة، «بدأت حوارات في بغداد بين مصر وإيران». وفي نيسان/ أبريل 2023، كشفت صحيفة الزمان العراقية نقلاً عن
تُسلّط هذه الورقة التحليلية الضوءَ على مستقبل العلاقات الإيرانية المصرية، وهو فرض ثلاثة أسئلة أساسية تسعى إلى الإجابة عليهم: أولاً: ما هي بوادر تحسّن العلاقات الإيرانية المصرية؟ وثانياً: ما سبب رغبة طهران والقاهرة بالوساطة العراقية؟ وثالثًا: ما هي السيناريوهات التي يُمكن تَصورها لمستقبل العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران؟.