د. رائد أحمد – الجامعة العراقية
المقدمة:
قد يكون واضحاً لمعظم الناس أن الأفراد يغادرون بلدانهم ويبحثون عن حياة أفضل في البلدان الأخرى، وهو ما يحدث عادةً لأسباب عديدة، بعضها مرتبط بالظروف الأمنية كالحروب، وعدم الاستقرار، وارتفاع معدلات البطالة، أو لمّ الشمل كالزواج، وهذا النوع من التنقّل يُسمى (الهجرة)، وعلى الرغم من آثاره السلبية على الدول المرسلة، مثل «هجرة الكفاءات»، إلا أنّه يحمل أيضاً بعض الفوائد على المستوى الفردي والمؤسساتي، خاصةً بالنسبة للبلدان التي تعاني من معدلات بطالة عالية واقتصادات ضعيفة مزمنة، في هذه الحالة تقوم الحكومات أحياناً بإعداد شريحة من مواطنيها – عادة ما يكونون من ذوي المهارات المنخفضة – للهجرة من خلال التدريب المهني، ويتطلب «تصدير» هؤلاء الأشخاص إلى وجهاتهم اتفاقيات مسبقة مع تلك الوجهات التي تفتقر إلى مثل هذه العمالة، وهذه العملية تُجنب طرفي الاتفاقية مشاكل الهجرة غير النظامية وتدعم الاقتصادين بطرق مختلفة.
النظرية وتداعياتها:
تشير نظرية الهجرة إلى العملية التي ينتقل فيها الأشخاص من بلد إلى آخر أو داخل البلد نفسه، فيما يتعلق بالنوع الأول، يضطر الناس أحياناً إلى البحث عن ملاذات آمنة بسبب ظروف عدم الاستقرار في بلدانهم الأصلية، مثل الحروب، والعنف المنزلي، والحروب الأهلية، كما أنّ الاقتصادات الضعيفة تجُبر الناس على البحث عن حياة أفضل في الدول الغنية، سواء كانت تلك الدول في المنطقة نفسها أو في قارة أخرى، على سبيل المثال، خلال ما يسمى بالربيع العربي لعام (2011)، كانت هناك موجة هائلة وغير منضبطة من المهاجرين الذين وصلوا إلى أوروبا عبر تركيا البحر الأبيض المتوسط، ونتيجة لذلك هاجر ملايين الأشخاص من آسيا وأفريقيا في الغالب الى إيطاليا، وإسبانيا، واليونان، وفي عام (2019)، كان هناك مئات الآلاف من الأشخاص في مسيرة من دول أمريكا اللآتينية الفقيرة نحو الولايات المتحدة الأمريكية – لاحقاً، وسيطرت المكسيك على تلك الموجة بناءً على لوائح اتفاقية عام (1996) مع الولايات المتحدة.
بوجهٍ عام، فإنّ معظم موجات المهاجرين الهائلة هم من ذوي المهارات المنخفضة، لذلك فهم غير مرحّب بهم في البلدان المضيفة، وعندما يصل هؤلاء الأشخاص إلى وجهاتهم، بصعوبة يجدون وظائف وهم بالكاد يدعمون اقتصادات البلدان المضيفة، ونظراً لأنّ الحكومات مُلزمة بفحص أهلّيتهم لكونهم لاجئين، فإنّ هؤلاء المهاجرين غير النظاميين يمثلون أعباء اقتصادية بسبب النفقات ذات الصلة، مثل توفير الملاجئ والخدمات التعليمية والصحية، ولتجنب هذا التعقيد، تُفضل الحكومات في البلدان المضيفة عقد اتفاقات مع البلدان المرسلة ودول العبور لمنع المهاجرين غير الشرعيين من الوصول إلى أراضي البلدان المضيفة.
ومع ذلك، فإنّ هذه الاتفاقات تستند إلى ما يسمى «المشروطية» حيث يتم فرض الشروط من قبل البلدان المستقبلة، لذلك يمكن تقديم مزايا للبلدان المرسلة / العابرة إذا قبلت التعاون في الحد من الهجرة غير النظامية، ويعتمد نجاح مثل هذه الاتفاقيات على ما يتم تقديمه، والنفوذ الذي تتمتع به البلدان المضيفة، واحتياجات البلدان المرسلة / العابرة، من ناحية أخرى، تُعد المساعدة الاقتصادية وامتياز التنقل أفضل العروض التي قد تتوقعها الدول المرسلة / المستقبلة فقط إذا كانت هذه العروض تلبي احتياجات الأخيرة، على سبيل المثال، إذا لم تحدث المساعدة تغييراً ملحوظاً في اقتصادات المستفيدين، فلا يجوز إجراء أي صفقة، ومن ناحية أخرى، قد تهدد البلدان المستقبلة البلدان المرسلة / العابرة للحد من التبادل التجاري، أو قطع التحويلات، أو تقليل التنقل بينها، مما يؤثر في الغالب على اقتصادات البلدان المرسلة / العابرة، وكان أحدث مثال ناجح هو الاتفاقية الأوروبية التركية لعام (2016)، عندما قدّم الاتحاد الأوروبي لتركيا (6) مليارات يورو، مما زاد من تنقّل مواطنيها، وزاد التبادل التجاري مع أعضاء الاتحاد الأوروبي، ونتيجةً لذلك كان هناك انخفاض بنسبة (80%) في عدد الوافدين عبر تركيا إلى الاتحاد الأوروبي في عام (2017) وما بعده.