د. عدنان عبدالأمير مهدي الزبيديّ: جامعة تكريت / كلية العلوم السياسية
مقدمة:
اتسمت العلاقات الدولية عبر التاريخ بأنَّها إمَّا علاقات صراع، أو علاقات تعاون، أو تنافس دولي، وخصوصاً المناطق الإستراتيجية في العالم، والتي حظيت باهتمام علماء الجيوبولتيك أمثال (ماكندر) ونظرية قلب العالم، ومَن يسيطر على القلب يسيطر على العالم، وتُعدُّ منطقة الشرق الأوسط من أهم تلك المناطق التي أُشِيرَ إليها بأنَّها قلب العالم، وخصوصاً منطقة الخليج العربي والعراق تحديداً؛ لما تملكه من موقع إستراتيجي يربط الشرق بالغرب، وثروات الطاقة المتنوعة، وخصوصاً النفط الخام والغاز الطبيعي، ممَّا جعلها منطقة صراع وتنافس دولي عند دول إقليمية ودولية؛ لبسط النفوذ والسيطرة عبر وسائل قوة متنوعة ناعمة وصلبة وذكية.
ومع طبيعة موضوع البحث الذي يطغى عليه اختصاص السياسة الدولية والعلاقات الدولية في العلوم السياسية، إلا أنَّ تلك الدول ككائن معنوي تقاد من نظم سياسية، وتخطط وتنفذ إستراتيجياتها عن طريق سياسات عامة حكومية تدير ذلك الصراع والتنافس الدولي على المنطقة الأهم دولياً في العالم، ممَّا يدفع باتجاه بحث التدخل العسكري التركي والإيراني في العراق عن طريق أدوات في النظم السياسية، والسياسات العامة، الذي يحدد المشكلة وخلفياتها، وأسبابها، وآثارها، وخيارات السياسات العامة لأفضل الحلول الواقعية للمشكلة العامة التي تواجه العراق في وقتنا الحاضر، وهي على النحو الآتي:
أولاً: الخلفية والنقاشات
بعد احتلال العراق في العام 2003، وسقوط نظامه السياسي، واندلاع شرارة ما يسمَّى بثورات الربيع العربي إقليمياً، وسقوط أنظمة سياسية عديدة، وبروز الاضطرابات الداخلية على أثرها، مهدت الأمر لخلق ظروف مثالية للتدخل الإقليمي والدولي بالمنطقة، والحصول على أكبر المكاسب من تغيرات البيئة الجديدة، وعلى رأس تلك الدول تركيا، وإيران إقليمياً، والتي تحول دورها من داعم للوضع الراهن، إلى دور وسيط، إلى دور داعم لبعض الفصائل المسلحة المختلفة، إلى دور احتلال مباشر على الأرض. وعليه سوف نتطرق في البحث أسباب التدخل العسكري التركي والإيراني في العراق والتداعيات، وهي على النحو الآتي:
1. أسباب التدخُّل العسكري التركي في العراق:
منذ تأسيس تركيا الحديثة عام 1923، وحتى الآن اتسمت العلاقات التركية العراقية بطبيعتها المتغيرة، إذ إنَّ هناك ثلاثة أسباب محورية للتدخل التركي في العراق (قضية الحدود، وقضية الأكراد، وقضية المياه، وقضية التركمان).
قضية الحدود: تنظر تركيا للعراق نظرة توجس أمني، يتعلق بالتدخل الخارجي، واستثماره لبعض التناقضات والملفات الداخلية التي تؤثر على الأمن القومي التركي ووحدة التراب التركي، وفي مقدمة المحددات للعلاقات التركية العراقية، ولعقود طويلة، فهي قضية أمنية لضبط الحدود الدولية بين الدولتين، وتقليل خطر حزب العمال الكردستاني المعارض، الذي خاض حرباً انفصالية عن تركيا منذ العام 1984، فضلاً عن أرضية الخصومة بين الطرفين؛ بسبب الحرب الباردة آنذاك، وانتماء كلٍّ منهم لأحد المحاور على الساحة الدولية، فالعلاقات البينية بين العراق وتركيا تخللها ظهور أزمات، مثل هجمات حزب العمال الكردستاني ضد الأراضي التركية انطلاقاً من إقليم كردستان الذي لا يخضع واقعياً للسلطة العراقية المركزية، ممَّا دفع أنقرة دائماً لاجتياز الحدود والقيام بعمليات عسكرية في شمال العراق بحجة مكافحة الإرهاب الكردي الذي يتخذ من شمال العراق ملاذاً آمناً، فضلاً عن عدم إخفاء تركيا أطماعها في الأراضي العراقية، مثل الموصل، وكركوك، وتلعفر، وسنجار، وصولاً إلى محافظة صلاح الدين، عادَّةً تلك المدن جزءاً من الإمبراطورية العثمانية التي يحاول حزب العدالة والتنمية أحياءَها من جديد.