بوني لين- مدير مشروع الطاقة في الصين، وزميل أقدم في قسم الأمن الآسيوي- مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية CSIS- واشنطن
توجد ثلاث قضايا رئيسة رُكِّزَ عليها في هذا التقرير، تتلخَّص في الآتي: ما طبيعة التحدي الصيني؟ وما الذي ستقوم به الولايات المتحدة تجاه ذلك التحدي؟ وكيف ستستجيب الصين لذلك؟
تحدِّي جمهورية الصين الشعبية
يوجد إجماع متزايد في أوساط الحزبين الأمريكيين حول التحدي الذي تشكله جمهورية الصين الشعبية للولايات المتحدة والمجتمع الدولي، إذ تحدِّد إستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الصادرة في أكتوبر من العام (2022) الصين على أنَّها: «المنافس الوحيد الذي لديه العزم على إعادة تشكيل النظام الدولي، وزيادة قدراته الاقتصادية، والدبلوماسية، والعسكرية، والتكنولوجية للقيام بذلك». وتشير كذلك إلى أنَّ: «بكين تطمح إلى خلق مجال نفوذ معزز في منطقة الإندو-باسيفيك، وأن تصبح قوة عالمية رائدة»، فالصين في عهد الرئيس (شي جين بينغ) لطالما كانت مستعدة استعداداً متزايداً للاستفادة من قوتها الوطنية الشاملة، وتكتيكات المنطقة الرمادية السياسية، والاقتصادية، والعسكرية واسعة النطاق ضد حلفاء الولايات المتحدة وشركائها لتعزيز مصالحها الخاصة.
ففي العام الماضي، كان هنالك أمثلة بارزة على استخدام الصين إجراءات عسكرية وشبه عسكرية تضمنت مناورات عسكرية غير مسبوقة، وواسعة النطاق لتطويق تايوان في أغسطس 2022، وكذا المحاولات التي قام بها جيش التحرير الشعبي(PLA) لـ»تطبيع» معابر خط الوسط في مضيق تايوان واختراق منطقة تحديد الدفاع الجوي التايوانية، واستخدام الصين المستمر، والمتكرر لخفر السواحل والميليشيا البحرية التابعة للقوات المسلحة الشعبية؛ لتأكيد مطالباتها بجزر سينكاكو المتنازع عليها (التي تديرها اليابان) والجزر الأخرى المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي وفرضها، فضلاً عن الاشتباكات المتكررة مع الهند على طول حدودهما المتنازع عليها.
كما تواصل الصين أيضاً الانخراط في عملية تحديث عسكري سريعة لتحقيق هدفها المتمثل في أن تصبح قوة عسكرية عالمية تقف على قدم المساواة مع الولايات المتحدة بحلول العام (2049). تشتمل عملية التحديث تلك على جهودٍ حثيثة لتعزيز قواتها التقليدية في جميع المجالات، وكذا توسيع قواتها النووية وتحديثها وتنويعها بتمكينها من استخدام ما يقرب من (1500) رأس حربي بحلول العام 2035. ومع أنَّ الصين إلى الآن لم تغيِّر أو تراجع إستراتيجيتها أو عقيدتها النووية خلافاً لسياستها المعلنة على أساس مبدأ «عدم الاستخدام الأول، أو «الضربة الأولى»، إلّا أنَّه يوجد قلق متزايد في منطقة الإندو-باسيفيك وخارجها من إمكانية استغلال الصين أسلحتها النووية لأغراض قسرية قبل الأزمة أو أثنائها، أو صراع مع حلفاء الولايات المتحدة وشركائها.
وفيما يتعلق بالتحديات الأمنية العالمية والدولية الخطيرة، كالغزو الروسي لأوكرانيا، والاستفزازات الإقليمية المتكررة من كوريا الشمالية، إذ يبقى الدور الصيني موضع شك وريبة؛ وما زالت الصين تواصل رفضها إدانة العدوان الروسي على أوكرانيا، وتحمِّل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي مسؤولية إطالة أمد الحرب هناك. وازدادت التعاملات التجارية بين الصين وروسيا في العام الماضي، وفُرِضَت عقوبات على شركات صينية مختارة؛ لتقديمها منتجات، أو خدمات تعمل على تمكين العمليات العسكرية الروسية، كما أجرى البلدان تدريبات عسكرية مشتركة عديدة. أمَّا فيما يتعلق بكوريا الشمالية، فإنَّ الصين تحالفت مع روسيا الاتحادية؛ لحماية (بيونغ يانغ) من الضغوط الدولية ومزيد من عقوبات الأمم المتحدة لوقف تجاربها الصاروخية المزعزعة للاستقرار وأنشطتها الأخرى. كما أنَّه ليس من الواضح ما إذا كانت الصين مستعدة لممارسة أي ضغوط ثنائية مباشرة على (بيونغ يانغ)؛ للحد من أنشطتها المريبة.
لقد جرى تضخيم تحدي التعامل مع الصين بصورة كبرى، خصوصاً بعدما قام الرئيس (شي جين بينغ) بتفكيك القيادة السياسية الجماعية للبلاد، وتقديم نفسه بصورة واضحة على أنَّه الزعيم الأوحد للصين. ففي المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني(CCP) المنعقد في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، لم يقم (بينغ) بتأمين الحصول على فترة رئاسية ثالثة غير مسبوقة فحسب، بل إنَّه قام أيضاً بترقية مقربين منه إلى مناصب عليا في الحزب الشيوعي الصيني، وجيش التحرير الشعبي. ويثير هذا التركيز الاستثنائي للسلطة في يد (بينغ) تساؤلات مقلقة حول طبيعة صنع القرار داخل العاصمة بكين: هل يمكن أن يصبح التنبؤ بالسياسات الصينية أصعب، وأكثر انفتاحاً على التحولات الكبرى أو الحادة؛ لأنَّها تعتمد الآن اعتماداً أساسياً على آراء زعيم واحد من غير المحتمل أن يواجه معارضة بيروقراطية، أو سياسية كبيرة؟ وسيحصل (بينغ) على مشورة ذكية وسليمة من أقرب مستشاريه لتصحيح مسار معين عند الحاجة، أم إنَّ أيَّ شيءٍ من هذا القبيل سيكون بمنزلة انتحار سياسي؟ فإلى الآن، لا يبدو إعلان الصين السريع والمدهش عن سياستها الخاصة بـ(Covid-19) سياسة (صفر كوفيد)، يبعث على الاطمئنان.