نبيل جبار العلي – باحث
عادت المناكفات مجدداً في العراق حول مضمون القانون الانتخابي المنظِّم لعملية إجراء الانتخابات النيابية في وقت سابق. جاءتِ المطالبات أولاً من ساحات الاحتجاج نهاية سنة 2019، معبرة بجزء من مطالبها عن رفضها للسياق المتبع في تشريع القوانيين والأنظمة الخاصة بالانتخابات منذ 2003، متهمة السلطات والأحزاب المشكِّلة للحكومات بالتواطؤ في وضع قوانين انتخابية وتشريعها؛ تتناسب مع مصالحها، ومصممة لخدمة ظروفها الانتخابية، وتعمل على عدم ضمان فرص متكافئة بين المتنافسين. جاءت احتجاجات 2019 في بغداد وبعض محافظات العراق وما رافقها من أحداث؛ لإرغام السلطة على تنازلها، والدفع باستقالتها، وتشكيل حكومة جديدة تعمل على تحقيق الاستقرار السياسي، وتهدئة الشارع الاحتجاجي، وتنظيم انتخابات وَفْق قانون انتخابي عادل، لذا شُرِّعَ قانون انتخابي جديد سنة 2020؛ ليحلَّ محل القوانين القديمة المنظِّمة للانتخابات، وقد تميَّز هذا القانون عن سابقاته من القوانيين الأخرى بانتهاج نمط انتخابي جديد، يستند على الترشيح الفردي بدلاً عن نظام القوائم المتبع في كل انتخابات، وتميَّز القانون أيضاً بتقسيم الدوائر الانتخابية وتحجيمها؛ لتكون على مستوى ما يقارب حجم الأقضية، بدلاً من اعتماد المحافظة الواحدة كدائرة انتخابية واحدة.
من إفرازات هذا القانون، وبعد إجراء الانتخابات، وإعلان النتائج، فازت الكتلة الصدرية بعدد مقاعد كبير نسبياً (73 مقعداً من أصل 327)، وهو أعلى قدراً من المقاعد حصل عليها الصدريون في عمرهم السياسي، بل تغلبت تلك النتائج حتى عن تجربة 2018 التي شارك فيها الصدريون ضمن ائتلاف انتخابي ضم مجموعة من القوى السياسية الأخرى، والتي نالوا فيها (55) مقعداً فقط للتحالف أجمع.
ومن الإفرازات الانتخابات الأخرى، هو صعود واضح ولافت للمستقلين في الدورة البرلمانية الأخيرة بعدد (43) مقعداً، في حين لم يتمكَّنِ المستقلون في وقت سابق من إحراز أكثر من (2 – 4) مقاعد على أكثر تقدير؛ لأسباب ستُوضَّح لاحقاً. ومؤكَّدا «أدَّى فوز الصدريين بما يقارب من (20) مقعداً إضافياً، وفوز المستقلين بـ(43) مقعداً، وقوى ناشئة أخرى بما يقارب (20)؛ إلى انحسار واضح في نتائج القوى السياسية الأخرى، وتحجم تمثيلها وتأثيرها تحت قبة البرلمان العراقي.
ما هو لافت للنظر، أنَّ التغيير الكبير في نتائج الانتخابات لا يعني بصورة أساسية أنَّ التغيير نتجَ عن تغيير في تفضيلات الناخبين، وتغيير في بوصلة توجهاتهم السياسية، وبالعودة إلى لغة الأرقام تجد من المفارقات الكبيرة، منها حصول الإطار التنسيقي (وهو تحالف سياسي شيعي ضمَّ الأطراف السياسية الرافضة لنتائج الانتخابات) إلى ما يزيد عن (2,500,000) مليون صوت انتخابي صحيح، وقد حصل على ما يقارب (83) مقعداً فقط، في حين حاز التيار الصدري (الصدريون) على ما يقارب (885,000) صوت انتخابي صحيح، وحازوا عن طريقها على (73) مقعداً، هذا فيما يخص المتنافسون الشيعة، أمَّا المتنافسون السنة فالفارق واضح أيضاً، إذا ما اتبعنا النسبة والتناسب بين عدد الأصوات وعدد المقاعد، فحزب تقدُّم الذي حاز على ما يقارب (637,000) صوت حاز على (37) مقعداً، في حين لم يستطع نظيره تحالف العزم من التمكُّن من الحصول على أكثر من (14) مقعداً عبر استقطابه لناخبين بلغ عددهم ما يقارب (421,000) صوت انتخابي!
تأتي هذه التباينات نتيجة القانون الانتخابي الأخير، الذي لم تعتد القوى السياسية على فهمه بصورة كاملة، وتباين الإستراتيجيات الانتخابية، وآليات تقديم المرشحين، وتوزيعهم، وأعدادهم هي أبرز المتسبِّبات في وضع هذا التباين في نتائج الانتخابات، فمالك الأصوات الكبيرة قد أصبح بمقاعد محدودة، وفاز آخرون بمقاعد عديدة عن طريق أصوات محدودة، في حين لم تتأثَّر بعض القوائم السياسية بالقانون وقد حازت بعدد المقاعد النيابية نفسها فيما لو افترضنا احتسابها وَفْقاً لقوانين أخرى، فعلى سبيل المثال حاز (تحالف إدارة الدولة) على (359) ألف صوت انتخابي مكنه من إحراز (4) مقاعد نيابية فقط، في حين قد يكون من الجائز افتراض حصول مرشحين مستقلين آخرين على لا يزيد عن (10 – 12) ألف صوت مكَّنتهم من إحراز (4) مقاعد انتخابية بفضل القانون الجديد.