نسرين قحطان عبدالرزاق – باحثة واكاديمية
المقدمة
قُدِّمت هذه الورقة البحثية؛ ليقْرَأها أعضاء مجلس البرلمان؛ تمهيداً للمصادقة على اتفاقية (لاهاي) المتعلقة بالقانون الدولي الخاص؛ لتوحيد القواعد القانونية، وإيجاد نظام قانوني دولي موحد، وناقشت هذه الورقة البحثية إيجابيات وسلبيات الانضمام إلى اتفاقية (لاهاي) المتعلقة بالقانون الدولي الخاص بصورة شاملة وموجزة، مع تقديم جملة من التوصيات المقترحة في الوقت الذي يسعى فيه العراق إلى تنظيم شتى العلاقات الدولية عن طريق وضع قواعد قانونية دولية موحدة أسوة بسائر الدول الأخرى الساعية إلى الانضمام إلى اتفاقية (لاهاي) التي تُعدُّ نتيجة محاولات ومبادرات جادة نحو توحيد الأحكام الدولية، سواءً على الصعيد العالمي، أو الإقليمي، وتكلَّلت هذه الجهود بالتوقيع على النظام الأساسي لمؤتمر (لاهاي) سنة 1995 الذي جاء بقواعد موحَّدة لمختلف المواضيع، ومن ضمنها القانون الدولي الخاص، إذ تطرَّقت لمواضيع أبرزها نفقة الأطفال، وحمايتهم، وتبنيهم، والمسؤولية الأبوية، وكذا الملكية الفكرية، وقد يتعرَّض مقترح انضمام العراق إلى هذه الاتفاقية لعديد من الانتقادات، فلا بدَّ من بيان الجوانب الإيجابية لانضمام العراق لهذه الاتفاقية، والجانب السلبي الذي من الممكن أن يظهر.
المحور الأول: اتفاقية (لاهاي) سنة 1996 المتعلقة بالاختصاص، والقانون المطبق، والاعتراف والتنفيذ والتعاون في مجال المسؤولية الأبوية، وإجراءات حماية الأطفال المؤرَّخة في 19 أكتوبر 1996.
جاءت هذه الاتفاقية بناءً على ما تتطلبه حماية الأطفال في الأوضاع ذات الصفة الدولية، ورغبة من الدول في تلافي المنزاعات التي ممكن أن تنشأ قامت هذه الاتفاقية ببيان الضمانات الدولية فيما يخص مادة الاختصاص، والقــانون المطبـَّـق، والاعتراف بإجراءات حماية الأطفال، وضمان تنفيذها عن طريق وضع أسس مشتركة موحَّدة للدول المصادقة عليها، وتُؤَخذ بعين الاعتبار المصلحة العليا بحماية الأطفال.
أهداف الاتفاقية:
تحديد الدولة المختصة بأنَّها صاحبة السلطة فيما يخص إجراءات المتعلقة بالطفل، وحمايته، وكذلك القانون المطبَّق.
تحديد القانون الواجب التطبيق على المسؤولية الأبوية.
ضمان الاعتراف بالقرارات والإجراءات الصادرة من جميع الدول المصادقة على المعاهدة.
المخاوف المقترنة للمصادقة على الاتفاقية والحلول المقترحة لها:
يتخوَّف المشرع العراقي بأنَّ بنود هذه الاتفاقية قد تمس بسيادة العراق، وذلك بقبول تطبيق نصوص دولية قد تبدو للولهة الأولى متعارضة مع ما هو سائد في العراق، إلا أنَّ الواقع يجعل المشرع أمام ضرورة ملحة بإيجاد قواعد موحدة دولية، إذ أباحت المادة (8) من اتفاقية (لاهاي) لسنة 1996 أن تمنح الدولة المختصة السلطة لدولة أخرى، إذا ما كانت الأخيرة أقدر على تحقيق المصلحة العليا للطفل، وعلى وجه الخصوص في وقتنا الحالي الذي شهد ازدياد حالات الزواج ذات العنصر الأجنبي، وما ينتج عن هذه العلاقات الخاصة من آثار ؛ ممَّا يتطلَّب مدة زمنية طويلة للإجراءات القانونية في تحديد القانون الواجب التطبيق في كل العلاقات الخاصة، وتحديد المحكمة المختصة، وما قد يرافقه من جهل الأشخاص بالقانون الأجنبي، إلا أنَّ المصادقة على اتفاقية (لاهاي) التي تتضمَّن بنود دولية موحَّدة تحدد قواعد موضوعية موحدة لكل الدول الأعضاء على نحو يجنَّب الاختلاف في قواعد التنازع.
قد تتعارض بعض البنود مع القانون الداخلي أو الدستور العراقي، وما موقف القاضي الوطني؟ أيقوم بتطبيق نصوص المعاهدة الدولية أم بتطبيق القانون الداخلي؟ وهل يقوم القاضي بمراعاة التدرُّج الهرمي للقواعد القانونية؟ ممَّا يثير مخاوف تشريعية وسياسية عراقية، ونجد موضوع المصادقة من شأنها أن تجعل الاتفاقية مصدراً من مصادر القانون الدولي الخاص، فلا بدَّ أن تكون العلاقة بين القانون الداخلي والاتفاقية علاقة تكاملية وليست تنافرية، إذ إنَّ الهدف الرئيس للاتفاقية يتلخص بلحاظ الموضوع بتوحيد قواعد النزاع، مثلاً معاهدة (لاهاي) بشأن توحيد بعض قواعد النزاع في مادة الإجراءات، والزواج، والطلاق، والوصاية، والإرث، والوصية؛ لتقليل حالات الاختلاف في قواعد التنازع، وتهدف إلى توحيد القواعد الموضوعية، مثل اتفاقية فيينا للبيع الدولي للبضائع لعام 1980، والمعاهدة التي وحدت القانون المطبَّق على الملكية الصناعية في مؤتمر باريس، والملكية الأدبية والصناعية، وذلك بإعطاء الحل مباشرة من دون المرور بقواعد الإسناد وَفْقاً لإحدى تقنيات وطرائق حل النزاعات الدولية الخاصة.