دياري صالح – باحث
يُعدُّ حِراك الجيل الجديد -الذي أسَّسه رجل الأعمال الكردي شاسوار عبدالواحد- من بين ملامح التحول المهمة في المشهد السياسي العراقي والكردستاني، لقد ضمن هذا الحزب حضوراً مهماً في السليمانية محاولاً أن يصدِّر نفسه هناك كمحرك أساس للحراك الاحتجاجي، ونهض ذلك بدور مهم في تأسيس قواعد شعبية واسعة ساندت توجهاته التي يرفع فيها شعار المعارضة للحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل وللاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية، لقد أهلته نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة، والتي أُجرِيت في تشرين 2021، للنهوض بدور مهم يتجاوز فيه الفضاء الكردي نحو الفضاء الوطني.
تسعى هذه الورقة إلى البحث في أهم السياسات التي اعتمد عليها الحزب في مرحلة التأسيس، تصدره الحراك الاحتجاجي في السليمانية، ودوره في إقناع الشباب والفئات الهشة بمساندته، ممَّا أثَّر ذلك على طبيعة نتائجه الانتخابية، وطبيعة مقارباته الاحتجاجية التي يعرضها متأثراً برؤى التيار الصدري، وأهم التحديات التي يواجهها في مساره السياسي.
الجيل الجديد: الرؤية والطموح
لقد أُسِّسَ حزب «حراك الجيل الجديد» بوصفه أحد الأحزاب المهمة في إقليم كردستان العراق في العام 2018 على يد (شاسوار عبدالواحد)، الذي يتصف بأنَّه رجل أعمال أثبت نجاحه في مشاريع عديدة. وهو اليوم يحاول أن يوظف كثيراً من هذه المساحات في المزج بين التجارة وممارسة العمل السياسي والحزبي. يقدِّم نفسه -في هذا الصدد- على أنَّه صاحب رؤية واثقة تقوم على أساس مشروع محدَّد يسعى فيه إلى كسر احتكار السلطة داخل كردستان من الأحزاب التقليدية، وتمتدُّ هذه الرؤيا لعقدين من الزمن المقبل.
عادة ما يحاول الجيل الجديد العمل على تحدِّي السلطات بطرائق عديدة تحت ذريعة مساندة الفئات الهشة في المجتمع. قد لا يكون ذلك بالحقيقة تعبيراً دقيقاً عن مدى مقدرته المادية في معالجة الملفات التي تشكل عنصراً ضاغطاً على حياة الناس هناك. ومع ذلك فإنَّ هذا النوع من الممارسات قد يدفع بعديد من المواطنين إلى الإعجاب بهذا النموذج ومساندته بغضاً بالأحزاب التقليدية في الإقليم، على سبيل المثال حاول أن يتحدَّى قرار السلطات هناك فيما يتعلَّق ببيع مادة الجازولين إلى المواطنين، إذ قال «إنَّ لديه القدرة على أن يوفر كميات محدودة منه بأسعار تفضيلية تصل إلى (500) دينار عراقي للتر الواحد مقارنة بأسعار السلطات التي تصل إلى (750) ديناراً للتر».
منذ وقت مبكر حاول عبدالواحد أن يثبت أنَّه صاحب مشروع يتقرب عن طريقه إلى الشباب بصورة كبيرة. كان مدركاً لأهمية الأزمة التي تعانيها هذه الفئة في قطاع الإسكان، لذا حاول أن يعمل على مجموعة من المشاريع السكنية المهمة في هذا الخصوص، ومنها مشروع رئيس في مدينة السليمانية، إذِ استطاع عبر هذا المشروع أن يوفِّر فرص مهمة لمحدودي الدخل من الطبقة الوسطى للحصول على مسكن بمواصفات جيدة، كما أسهم في تغيير البنية العمرانية في عديد من النطاقات الحضارية في السليمانية، وأسهم عن طريق ذلك في توظيف عدد كبير من الأيدي العاملة العراقية من المحافظات الأخرى للعمل على تحويل مثل هذه المشاريع إلى حقيقة على أرض الواقع، لقد كان ذلك سبباً رئيساً في النظر إليه على أنَّه يمثِّل نموذجاً لرجل الأعمال والسياسة غير العنصري.
انتبهَ عبدالواحد منذ بداية تجربته السياسية إلى أهمية الأعلام، لذا أسَّس شركة (ناليا للإعلام وقناتها NRT) التي كانت في كثير من الأحيان تركِّز على النشاطات الاحتجاجية للجمهور في إقليم كردستان وخارجه. لذا حاول أن يستثمر الإعلام، وأن يوظف أخطاء خصومه، في محاولة جادة لكسب ثقة الشارع في بغداد ومدن الإقليم، خصوصاً عن طريق التقارير التي كانت تركِّز على إبراز الممارسات التعسفية التي كانت بحق تلك القناة، ومنها على سبيل المثال اتهامها بمساندة الحراك الاحتجاجي التشريني الذي أسقط حكومة عادل عبدالمهدي، والذي أفرز بالنهاية عمليات انتقامية اتُهِمَت بها جهات مختلفة، إذ كانت تلك القناة من بين القنوات التي تعرضت للاعتداء وإغلاق مقرها في العاصمة بغداد بذات الطريقة التي كانت تعامل بها في مدن الإقليم.