back to top
المزيد

    كيف يمكن أن نتنبأ بالمستقبل؟! (مستقبل الجغرافيا السياسية)

    مؤسسة المستقبل الجيو سياسي
    ترجمة: هيام علي المرهج
    تقديم:
    كثيراً ما تُسْتَخدم الجغرافيا السياسية (الجيوبولتكس) كاسم آخر للعلاقات الدولية، وعادةً ما يتعلق هذا المفهوم بالأعمال العسكرية، لذا يُعدُّ من المفاهيم المضلِّلة.
    وتُشيرُ الجغرافيا السياسية إلى دراسة القوة الوطنية ودون الوطنية أحياناً، والطريقة التي تتفاعل بها الأمة مع الفصائل الكبيرة، وتتضمن (الجيوبولتك) ثلاثة مكونات رئيسة: (الاقتصاد، والسياسة، والجيش). يمكن يُنظر إلى الثلاثة على أنَّها متمايزة، ولكنَّها في الواقع مترابطة مع بعضها بعضاً على نحو غير قابل للخروج، إذ لا يمكن أن يكون هناك جيش من دون اقتصاد، ولا اقتصاد من دون نظام سياسي، وما إلى ذلك.
    الدول موجودة في حالتها الطبيعية في صراع الكل ضد الكل، والذي تخفِّف من حدَّته التحالفات والهدنات. يوجد دائماً بحث عن السلام الدائم كما تحدث عنه (إيمانويل كانط)، إلا أنَّ هذا البحث فشل بجميع الطرائق، ويعود هذا الفشل إلى طبيعة البشر ومخاوفهم ورغباتهم، وكذا طبيعة المجموعات الكبيرة من البشر -الأمم- التي تعكس هذه المخاوف والرغبات، فالمصير المشترك للمواطنين يربطهم ببعضهم بعضاً، إلا أنَّ مصالح المواطنين تتعارض مع مصالح المواطنين الآخرين في الدول الأخرى. ليكون الصراع والمنافسة الاقتصادية السياسية، هو النتيجة الحتمية لواقع الأمم التي تعيش جنباً إلى جنب.
     نحن نعلم أنَّ الحرب تقتل، ولكن الاقتصاد كذلك، أو على الأقل يمكن أن يولد البؤس. والسياسة لها ثمنها الوحشي في بعض الأحيان. توجد دائماً رغبة في حسن النية، وحق الجار الدائم لكن الصراع هو الحتمي.
    مهمتنا هي فهم نمط الصراع والتنبؤ بالإجراءات التي ستتخذها الدول، هذا أبعد ما يكون عن العالم المثالي، ولكن من الضروري أن يكون لدينا إحساس بالأنماط والقوى التي تفرض السلوك هو الطريقة الوحيدة لفهم ما سيحدث في العالم، فالآمال النقية لا تنجح أبداً.
    الأسس الفكرية للتنبؤ الجيوسياسي
    من الشائع الافتراض أنَّ العالم لا يمكن التنبُّؤ به، سبب هذا الاعتقاد هو افتراض أنَّ التاريخ تصنعه الإرادة السياسية للقادة، وذلك إلى حدٍّ كبير بسبب قدرة القادة على اتخاذ قراراتهم بحرية، وإذا كان ذلك صحيحاً، فإنَّ التاريخ ليس له نظام متأصل، وهذا -بيسر- غير صحيح، لكي نفهم لماذا؟ فإنِّنا بحاجة إلى البدء من البداية، وإلا فإنَّ التفاصيل لن تكون منطقية.
     غالباً ما يُساء فهم وجهة نظر اثنين من أعظم فلاسفة الحداثة، وهما (نيكولو مكيافيلي، وفريدريك هيجل). أوعز مكيافلي في كتابه «الأمير» للحاكم كيف يحكم، لكن الحاكم الذي لديه الرغبة في أن يصبح حاكماً، ويبقى حاكماً هو يعرف بالفعل كيف يحكم. لم يكن مكيافيلي يعلِّم القائد؛ بل كان يعلِّم بقيتنا ما يعرفه القائد بالفعل، فليس هناك مدرسة للأمراء، إمَّا أنَّهم فهموا السلطة أو فشلوا فيها.
     يواجه الأمير واقع مدينته أو أمته، وكان لا بدَّ من فهم هذه الحقيقة إذا أراد الأمير النجاة والبقاء في السلطة. وإذا فهم الأمير هذه الحقيقة، فلن يكون لقراراته أي علاقة بإرادته الذاتية، وكل شيء له علاقة بإدراك ما يجب عليه فعله، ومن ثَمَّ فالأمير ليس حراً في التصرف كما يشاء، وبالتأكيد يمكنه تدمير نظامه عن طريق السلوك العشوائي، لكن الأمراء الذين يؤمنون بوهم قواعد إرادتهم الشخصية لن يصبحوا أمراء؛ لأنَّ الصعود إلى السلطة يتطلَّب وعياً صارماً بما يطلبه الواقع.
    طوَّر هيجل نموذجاً رائعاً لكيفية عمل التاريخ، لاحظ فيه أنَّ البشر يتميزون بالعقل، وأنَّ فهمهم وإدراكهم يتطور عبر الحضارات، فالإدراك هو -بيسر- فهمنا لأنفسنا ولبعضنا بعضاً، وكل خطوة في هذه العملية هي منطقية. قدَّم هيجل الشخصية التاريخية العالمية، الشخصية التي تغيِّر التاريخ. وإنَّ قوة الشخصية التاريخية العالمية ليست إرادته، وإنَّما فهمه الواضح للحظة التي يعيش فيها واللحظة المقبلة. مثل هذه الشخصيات (موسى، أو نابليون) على سبيل المثال ليست في السيطرة؛ بل في أنَّهم يخضعون أنفسهم لما هو ضروري، فتأتي قوتهم من إدراك ما هو ضروري وتنفيذه.
    الضرورة التي تجعل السياسة والجغرافيا السياسية قابلة للإملاء بصورة كاملة. يصعد السياسيون إلى السلطة؛ لأنَّهم يفهمون ما هو ضروري، ويستخدمون سلطات مناصبهم بما هو ضروري، ويسقطون حينما تفشل قدرتهم على فهم الضرورة.

    لقراءة المزيد اضغط هنا