د. أحمد قاسم مفتن – مدير قسم البحوث والدراسات في وزارة الهجرة – تدريسي محاضر في جامعة بغداد – خبير واستشاري في مركز البيان للدراسات والتخطيط
توطئة مفتاحية ومسالك منهجية:
تشير البيانات والمعلومات المتحصلة من رصد حالة المناطق التي سيطرت عليها داعش في المدة 2014 – 2017 إلى خضوع سكانها لإجراءات التنظيم فيما يتعلق بإتلاف الوثائق الرسمية الصادرة من الحكومة العراقية، والتي كان يمتلكها السكان، وتنظم شؤونهم فيما يتعلق بتوثيق عقود الزواج والطلاق، والملكية، وبيانات الولادة، والوَفَيَات، وهويات الأحوال المدنية، وجوازات السفر، وإجازات السوق، وغيرها. وبدلاً عن ذلك أصدر التنظيم وثائق خاصة (غير معترف بها من الحكومة العراقية)؛ لتوثيق الحالات المشار إليها آنفاً.
صنَّف السكان المقيمين في مناطق التنظيم في تلك المدة بين من انضموا وبايعوا التنظيم طواعية وانخرطوا في أعمال قتالية ولوجستية وإدارية، وآخرون انضموا وبايعوا التنظيم طواعية ولم ينخرطوا في عمليات قتالية، ولكنَّهم شاركوا في أعمال ونشاطات لوجستية وإدارية. وآخرين أُجْبِرُوا على مبايعة التنظيم والعيش في كنفه، ولم يشاركوا في عمليات قتالية وإرهابية.
كما أسفرت العمليات العسكرية لتحرير المناطق عن تدمير كلي أو جزئي للقرى والمناطق التي كان يسكنها عناصر التنظيم أو السكان المقيمين في مناطق سيطرتهم، فضلاً عن تدمير الممتلكات والمدخرات التي كانت بحوزتهم، وعديد من القتلى والفارين داخل العراق وخارجه من عناصر التنظيم وذويهم، أو المرتبطين بهم.
وبعد مضي ما يقرب من خمس سنوات على دحر داعش، وتحرير المناطق التي كان يسيطر عليها، وملاحقة المطلوبين منهم قانونياً ومحاسبتهم، ترك عناصر التنظيم (الفارين، أو المعتقلين، أو القتلى) ذويهم الذين تمثِّل الغالبية العظمى منهم (نساء وأطفال ومسنين) بِلا معيل، وبظروف إنسانية ومعيشية صعبة، يواجهون عديداً من المشكلات. تقطَّعت بهم السبل وخضعوا للتدقيق والتحقيق الأمنيين. وبعد مرورهم بسلسلة إجراءات حكومية صنفتهم إلى مجموعات يُتَعَامل معها بمستويات مختلفة. من بينهم فارين إلى خارج العراق معظمهم ممَّن يسكنون مخيَّم الهول في سوريا، ويقدَّر عددهم بنحو (30,000) فرد نازح ما زالوا بحاجة إلى تدقيق وتحقيق أمنيين. أمَّا داخل العراق فينقسمون إلى نازحين يسكون المخيمات في محافظة نينوى ومحافظات إقليم كردستان، أو نازحين منتشرين في المجتمعات المضيفة في عدد من المحافظات العراقية، أو عائدين إلى مناطق سكناهم الأصلية ممَّن خضعوا للتدقيق الأمني ولا توجد بحقهم ملاحقات قانونية، أو مطالبات عشائرية، أو ثأرية.
ووَفْقاً للمعطيات المشار إليها في أعلاه، تأتي الدراسة الحالية بوصفها تقدير موقف لحالة النازحين منهم، والذين تقع مسؤوليات إدارة شؤونهم، وحل مشكلاتهم على عاتق وزارة الهجرة والمهجرين الاتحادية، وبالتنسيق والتشارك مع المؤسسات والوزارات العراقية الأخرى، كلٌّ وَفْق تخصُّصه القطاعي، إذ تستهدف التعرف على واقعهم، وطبيعة المشكلات والتحديات التي تواجههم، وتعمل على اقتراح الحلول والمعالجات عبر المبادرة بعرض عدد من المشاريع والبرامج التي من شأنها التخفيف من معاناتهم وتأهيلهم وإعادة إدماجهم. اعتمدت الدراسة الحالية منهجية المراجعة للأدبيات والوثائق والتقارير المتعلقة بالفئة المستهدفة، فضلاً عن تنفيذ زيارات ميدانية وإجراء مقابلات عن كيفية معمَّقة مع الجهات ذات العلاقة (أسر المرتبطين بداعش ساكني المخيمات، والمجتمعات المضيفة، السكان في المجتمعات المضيفة، وإدارة المخيمات، والمنظمات العاملة في المخيم، وموظفي الوزارة في الفروع المعنية، والحكومة المحلية) عبر استمارات أُعِدَّت لهذا الغرض في محافظتي نينوى وصلاح الدين.