علاء الحمدانيّ: باحث عراقي
لا يختلف اثنانِ على مسألة رفض بعض المحتويات المسيئة للدين، والذوق، والأخلاق العامة، وكل ما يتنافى مع أخلاقيات المجتمع العراقي، إلا أنَّ الأمر يبدو مثيراً للتساؤل حين يتذرَّع بعضهم بحرية التعبير؛ للدفاع عن محتويات تبدو مسيئة بنظر فئة، وطبيعية من وجهة نظر فئة أخرى.
يدعو وجود خيط رفيع بين حرية التعبير والمحتويات المثيرة للجدل للبحث بدقة عن مكامن الخلل، أهي في النصوص الدستورية التي لم توضح الحرية توضيحاً كافياً أم هي في الفهم القاصر لحرية التعبير أم هي في وجود محتويات تجاوزت حدود الحريات التي وضعها الدستور؟
لم يكن الخلط بين حرية التعبير والمحتوى الهابط ذا أهمية تذكر قبل الحملة الحكومية على بعض الأشخاص المعروفين المتهمين بتقديم محتوًى مسيء، ممَّا يدعو للبحث عن تفاصيل الخلط وتفكيكه للحيلولة دون توظيف هذه القضية؛ لتصفية الحسابات الشخصية، أو مضايقة الأشخاص الذين يوجهون انتقادات للطبقة السياسية.
الحقوق والحريات في الدستور
نظَّم الباب الثاني من دستور 2005 الحقوق الحريات للعراقيين الذين قال الدستور إنَّهم متساوون أمام القانون، ونصَّت المادة (14) من الدستور على أنَّ «العراقيُّون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس، أو العرق، أو القومية، أو الأصل، أو اللون، أو الدين، أو المذهب، أو المعتقد، أو الرأي، أو الوضع الاقتصادي، أو الاجتماعي». أمَّا المادة (15) فقد منحت العراقيين الحق في الحياة، والأمن، والحرية، ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وَفْقاً للقانون، وبناءً على قرارات صادرة من جهات قضائية مختصة، في حين ضمَّنت المادة (17) لكل عراقي الحق في الخصوصية الشخصية بما لا يتنافى مع حقوق الآخرين، والآداب العامة.
وجاءت المادة (37) من الدستور لتؤكِّد حريات الأفراد بصورة دقيقة، مؤكدة أنَّ حرية الإنسان وكرامته مصونة، ولا يجوز توقيف أحد، أو التحقيق معه إلا بموجب قرار قضائي، فضلاً عن منع جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الإنسانية، ولا عبرة بأي اعتراف انْتُزِعَ بالإكراه، أو التهديد، أو التعذيب، وللمتضرِّر المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي اللذين أصاباه وَفْقاً للقانون، كما ألزمت هذه المادة الدولة بحماية الأفراد من الإكراه الفكري، والسياسي، والديني.
المحتوى الهابط.. تجاوزٌ لحدود حرية التعبير؟
لا يمكن لأحد الدفاع عن بعض المحتويات المسيئة حتى وإن دافع عنها مطلقيها والمروجين لها على أنَّها تندرج ضمن باب الحقوق والحريات، إلا أنَّ ذلك ينبغي ألَّا يكون على مستوى الإطلاق، ممَّا يعني ضرورة الذهاب نحو التفريق بين المحتويات التي يتفق المختصون على أنَّها مسيئة، وبين المحتويات التي هُوجِمَت؛ لغايات شخصية، وتصفية الحسابات.
مهما كانت مساحة الحرية التي منحها الدستور للأفراد إلا أنَّ المحتويات التي تُقَدَّم على مواقع التواصل الاجتماعي ينبغي ألَّا تكون منافية للآداب العامة؛ لكيلا يقع أصحابها في مواجهة مع الدستور الذي رفض في المادة (17) أن تتنافى الحريات الشخصية مع حقوق الآخرين، والآداب العامة.
كما أنَّ بعض مواد قانون العقوبات توجب السجن لمن يتجاوز الحدود المسموحة له في التعبير عن الرأي، وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف بشأن مدى مقبولية بعض المحتويات التي يروِّج لها على نطاق واسع فإنَّ الدستور والقوانين تمنعها، ولا بدَّ من الحذر عند نشرها، إلا أنَّ ذلك لا يعني القبول بتقييد حرية التعبير للجميع؛ بسبب بعض المحتويات المسيئة.