علاء الحمدانيّ – باحث عراقي
يبدو أنَّ قرار مجلس الوزراء العراقي بالمصادقة على تخفيض سعر الصرف من (1450) إلى (1300) اقتصادي للوهلة الأولى؛ لارتباطه بسياسة البنك المركزي العراقي الذي أوصى بالتخفيض، فضلاً عن تأثيره المباشر في سوق سعر صرف الدولار الذي انخفض انخفاضاً كبيراً في الأيام التي تلت المصادقة، إلا أنَّ الصبغة الاقتصادية لتخفيض سعر الصرف لا تعني عدم وجود انعكاسات سياسية للقرار الذي وُصِفَ بالجريء؛ لأنَّه أنهى أكثر من عامين على الجدل السياسي الذي أعقب قرار الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي التي رفعت سعر الصرف من (1180) إلى (1450) قبل أن يصوِّت مجلس النواب على تضمينه في موازنة 2021.
وتعرَّض قرار رفع سعر الصرف إلى انتقادات سياسية واسعة ربما أبرزها تحذير رئيس مجلس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني حين كان نائباً من «ثورة جياع» ربما تؤثر في المسيرة السياسية حين قال في تغريدة سابقة مخاطباً فيها حكومة الكاظمي: (إلى الحكومة والزملاء والمعنيين، كفى عناداً، ولا تأخذكم العزة بالإثم، إعادة سعر صرف الدولار إلى ما كان عليه قرار لا بدَّ منه؛ لأنَّ البديل «ثورة الجياع»)، مشيراً إلى أنَّ هذه الثورة ستكون باهظة الكلفة بإضعاف فرق السعر المتحقق.
مواقف سياسية وحكومية سابقة
كان رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي من أشد الداعمين لقرار رفع سعر الصرف الذي قالت الحكومة السابقة أنَّ موافقتها على هذا القرار جاءت استجابة لرغبة البنك المركزي العراقي الذي أصر على رفع سعر الصرف بدعم من وزير المالية السابق علي عبدالأمير علاوي، إلا أنَّ الدعم لم يقتصر على الأطراف الحكومية والرسمية، إذ كانت هنالك كتل سياسية داعمة أيضاً لولا دعمها لما تمكنت الحكومة السابقة من إدراج سعر الصرف في موازنة 2021 التي صوَّتت عليها كتل برلمانية مهمة.
وبرَّر البنك المركزي العراقي برئاسته السابقة قرار رفع سعر الصرف على أنَّه محاولة للنأي بالسياسة الاقتصادية عن الضغوط السياسية، قائلاً -في بيان رفع سعر الصرف الذي صدر في 19 كانون الأول 2020-: إنَّ تبعية السياسة الاقتصادية والمالية لطموحات السياسيين ومشاغلهم، أودت بآخر النماذج المقبولة للإدارة المالية في العراق، وحصرت دور تلك الإدارة بتوزيع الموارد النفطية على متطلبات إدامة الحياة كالرواتب والمتطلبات التشغيلية، ولم تتصدَّ وزارة المالية لأدوارها وموقعها الريادي في الشأن الاقتصادي، فضلاً عن أنَّها افتقرت إلى عديد من المعلومات الاقتصادية والمالية التي يمكن أن تسهِّل عليها، وعلى متخذ القرار في الدولة توجيه الأهداف قصيرة ومتوسطة الأمد، ممَّا يستدعي التوجُّه الفاعل لبناء قواعد بيانات اقتصادية ومالية تسهل اتخاذ القرارات وتخدم التنبؤات.
إلا أنَّ هذا التبرير لا يعني عدم وجود دعم سياسي للقرار الذي قال البنك المركزي إنَّه اتخذ بعد حوارات مكثفة مع رئيس الوزراء ووزارة المالية والسلطة التشريعية حينها، ما يشير إلى وجود اتفاق سياسي شجَّع البنك المركزي على اتخاذ هذا القرار الخطير.
كان فريق الكاظمي مدافعاً بشدة عن رفع سعر الصرف، إذ قال المتحدث باسم الحكومة السابقة (وزير الثقافة السابق) حسن ناظم في أيلول 2021: إنَّ «زيادة سعر صرف الدولار فكرة معروضة للنقاش منذ سنوات، ولم تجرؤ أي حكومة سابقة على اتخاذ هذه الخطوة لما يحيط بها من أخطار وسجالات»، مشيراً إلى أنَّ «حكومة الكاظمي كانت جريئة باتخاذ هذا القرار؛ لأنَّه يصب بمصلحة الاقتصاد العراقي، وفي الرؤية الاقتصادية الإصلاحية لوزارة المالية، إذ قُدِّمَت هذه الفكرة ضمن إصلاحات الورقة البيضاء، ونالت قبولاً ونقاشاً مستفيضاً».
كما أكَّد المستشار الفني لرئيس الوزراء السابق هيثم الجبوري في آب 2022 أنَّ «الرجوع لسعر الصرف القديم ضرب من الخيال، فالخسائر التي سيدفعها العراق في حال الرجوع ستكون أكثر من بقاء الدولار على سعره الحالي».
أوضح رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي في شباط 2021 أنَّ سعر الصرف تغيَّر بسبب جائحة كورونا، وانخفاض أسعار النفط، وشحة الواردات العراقية، وما تسبَّب بأزمة مالية لم تتمكَّن حينها الحكومة العراقية من سداد التزاماتها، داعياً وزارة المالية إلى معالجة الآثار السيئة التي نتجت عن ارتفاع سعر الصرف.