الخلاصة
لا يوجد دليل على وجود ضغوط أمريكية على العراق، أو عقوبات اقتصادية عليه، أو حتى على الحكومة الحالية، وإنَّما في حقيقة الأمر، تتطلَّب التحويلات الدولية للأموال من الحركة التجارية الامتثالَ لأحكام مكافحة غسل الأموال العالمية، وأحكام مكافحة تمويل الإرهاب.
الحكومة بحاجة إلى الدفع في تسهيلات بيع العملة إلى موردي الأغذية والحاجيات الأساسية يقابلها تركيز دور مفارز الأمن الاقتصادي، عن طريق إصدار لائحة تسعيرة مركزية للسلع الغذائية الأساسية بالتعاون مع غرف التجارة تكون ملزمة، وتُعَمِّمها في الأسواق.
التحسُّن في أسعار النفط والتوسُّع في النفقات الحكومية يدفع إلى هروب الأموال خارج العراق، إذ يُؤشَّر في خمس سنوات 2007 – 2011 فقدان (33) مليار دولار من ميزان المدفوعات العراقي.
انسحبت الطبيعة غير المنظمة للاقتصاد العراقي على التعاملات النقدية والمالية الذي يتسم في جزء منه بأنَّه لا يخضع إلى الإجراءات النظامية، وهو ما جعل وقع الإجراءات الجديدة أكثر حدَّة على السوق المحلي غير النظامي، أكثر من الأنشطة الاقتصادية النظامية.
لا يمكن ربط الدينار العراقي بسلة من العملات العالمية -من الناحية العملية-؛ لأنَّ فيه أخطار على النظام النقدي والمالي العراقي، وربما يتعدى إلى أبعد من تلك المخاطر.
تتطلب الضوابط الجديدة مستويات عالية من الإفصاح والشفافية، ومن ثَمَّ فهي كانت بمنزلة صدمة لعديد من البنوك العراقية التي لم تكن معتادة على هذا المستوى من التدقيق؛ ممَّا سبَّب التهافت على طلب الدولار «Rushing».
ستتأثر علاقات العراق التجارية مع دول الجوار، تبعاً إلى الإجراءات المتبعة من الخزانة الأمريكية، وربما ستقود الإجراءات الصارمة إلى تغييرات في الهيكل التجاري للعراق.
ستعاني منطقة الشرق الأوسط في العام الحالي أزمة ركود اقتصادي؛ بسبب الوهن الاقتصادي بفعل العقوبات الاقتصادية، وضوابط حركة النقد.
المقدمة:
مع أنَّ انخفاض قيمة العملة لا يبدو دراماتيكياً في العراق، لا سيَّما بالمقارنة مع دول أخرى في المنطقة، إلا أنَّه تسبَّب في حالة من الذعر بين المواطنين العراقيين الذين يخشون ارتفاع أسعار السلع الغذائية المستوردة مثل القمح، خصوصاً إذا ما علمنا أنَّ (70 – 80%) من الاحتياجات الغذائية تأتي من الخارج. وقد سبَّب ذلك نشاطاً من الممارسات التي تتعلَّق بالمضاربة بالعملة التي أثَّرت على قيمة الدينار العراقي أمام العملات الأجنبية، ومنها الدولار.
يذهب بعضهم إلى أنَّ ما يحصل هو نتيجة لعقوبات أمريكية على العراق، وعلى النظام المالي في العراق، ويعدُّها بعضهم استهدافاً سياسياً يراد منه إضعاف فئة سياسية محددة، أو عرقلة عمل الحكومة العراقية؛ لإضعاف الدينار العراقي، وتعريض الاقتصاد العراقي إلى الخطر، وأيضاً توسيع رقعة الفقر؛ بسبب تحجيم علاقات العراق التجارية مع الخارج، وتقليل فرص التبادل التجاري. ويجدها بعضهم الآخر محاولات لمنع هروب رؤوس الأموال من العراق، أو ربما محاولة للضغط نحو تحسين المماراسات البيروقراطية في المصارف العراقية، وتحسين نظام تداول المعلومات والبيانات المالية. كما يجد آخرون مثل تلك الإجراءات ربما ستعمل على تعزيز مستوى التشغيل في الاقتصاد المحلي، ومن ثَمَّ تقليل الاستيرادات، وخروج رؤوس الأموال الوطنية إلى الخارج.
إجراءات وليست عقوبات
لا يوجد دليل على وجود ضغوط أمريكية على العراق، أو عقوبات اقتصادية عليه، أو حتى على الحكومة الحالية، وإنما في حقيقة الأمر تتطلَّب التحويلات الدولية للأموال من الحركة التجارية الامتثالَ لأحكام مكافحة غسل الأموال العالمية، وأحكام مكافحة تمويل الإرهاب، وأحكام العقوبات مثل تلك التي تنطبق على بعض الدول في العالم ومنها دول مجاورة إلى العراق، ومنها تتعلَّق بالحرب على روسيا والصراعات في الشرق الأوسط، فضلاً عن انغماس الصين في المنطقة. لذا تتطلَّب الحاجة إلى تطبيق الإجراءات الجديدة مستوًى أعلى من الإفصاح والشفافية إلى البنوك العالمية، وهي غير متوفرة نسبياً في البنوك العراقية. كما تأتي هذه الإجراءات على خلفية فضيحة «سرقة القرن» التي جرى فيها تهريب (2.6) مليار دولار من أموال ضرائب الشركات المودعة في أحد المصارف الحكومية.
عدم القدرة من قبل المصارف المحلية على الاستجابة إلى الإجراءات الجديدة، كما أنَّ جزءاً من التحويلات النقدية في العراق تكون بصورة حوالات، أو عن طريق تجري خارج النظام المصرفي أدَّى -ومنذ تطبيق تلك الإجراءات في تشرين الثاني 2022- إلى إيقاف (80%) من أموال العراق السيادية المودعة في الولايات المتحدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي؛ بسبب شكوك حول الوجهة النهائية لهذه التحويلات.
لذا يمكن عُدَّ الإجراء وضعاً مؤقتاً سينتهي حالما يُمْتَثَل للشروط الجديدة، أو ربما تخفيف إجراءات تطبيق تلك الشروط إلى حين استيعاب كل المصارف العراقي إلى تلك الإجراءات. وقد اتخذت الحكومة العراقية إجراءات جديدة، وتسهيلات تستهدف التخفيف من أثر تلك الإجراءات منها بيع العملة إلى التجار بالأسعار الرسمية للبنك المركزي العراقي.