د. علي حسين الزبيديّ – باحث
تسعى الصين إلى تقوية علاقتها بدول إفريقيا جنوب الصحراء عن طريق سياسة واقعية لإنجاز طموحها في التسلُّط وتأسيس نظام عالمي سلمي باعث على النمو والاستقرار الاقتصادي، إذ بدأت منذ منتصف الخمسينيات، وإلى الآن وبصورة تصاعدية؛ تنسجم مع تطلعاتها إزاء ذلك. وتشير التقديرات إلى أنَّ الصين أصبحت الشريك التجاري الثالث لإفريقيا، والمؤثِّر في نظامها السياسي بعد الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، ما يلزم هذه الورقة تسليط الضوء على تلك العلاقات ضمن محورين، سيركِّز المحور الأول على الدور الصيني في الحقبة الباردة، فيما سيركِّز الآخر على أدوات السياسة الصينية تجاه غرب إفريقيا بعد الحرب الباردة:
أولاً: الدور الصيني في حقبة الحرب الباردة
يُعدُّ مؤتمر (باندونج) عام 1955 بدايةً حقيقيةً لإدراك الصين أهمية الدول الإفريقية ودول العالم الثالث، ويمكن إرجاع الاهتمام الصيني بإفريقيا في تلك المرحلة إلى الاعتقاد بأنَّ منظومة دول العالم الثالث وإفريقيا هي الأقدر على تحقيق الأهداف السياسية والأيديولوجية للصين، والسعي لكسب الدعم والتأييد الدوليين لها ولحكومتها، وتتمثَّل أهم المبادئ والسياسات التي حكمت تلك الفترة فيما يأتي:
مساندة الصين للكفاح الثوري الإفريقي؛ لتدمير بنية الهيمنة الاستعمارية، والتخلُّص من بقايا النفوذ الاستعماري.
الاعتراف بالدول المستقلة حديثاً، وتقديم الدعم لحركات التحرُّر الوطني.
وكانت السياسة الصينية راميةً -عن طريق ذلك- إلى التصدِّي للنفوذ السوفيتي عقب الخلاف الأيديولوجي الذي نشب بين موسكو وبكين منذ الستينيات حول تفسير النظرية الماركسية-اللينينية، واتهام الصين للاتحاد السوفيتي السابق بأنَّه انحرف عن هذه النظرية، وخصوصاً فيما يتعلَّق بالموقف من حركات التحرر الوطني والثورة في البلاد الإفريقية ودول العالم الثالث، ولهذا يذهب بعض الدارسين إلى عد السياسة الصينية في إفريقيا انعكاساً مباشراً للصراع الأيديولوجي بين البلدين، وتمحورت على ضوء ذلك معادة الصين للسوفيت، والتصدِّي لأي تحرُّك سوفيتي في إفريقيا، وهو ما دفع الصين إلى تأييد أي حركة إفريقية؛ لتغيير الأنظمة القائمة طالما أنَّ موسكو لا تؤيدها بغض النظر عن المنطلق الفكري والانتماء السياسي لهذا البلد أو تلك الحركة. ويمكن إجمال أهم أهداف التواصل الصيني مع إفريقيا بــ:
تأمين الاعتراف الدولي بالصين، ففي الفترة من يناير 1970 إلى ديسمبر 1972 أقامت الصين علاقات دبلوماسية مع (11) دولة إفريقية إضافية، وأعادت العلاقات مع أربع دول أخرى، وبنهاية عام 1975 اعترفت بــــ(47) دولة إفريقية من أصل (48) دولة بجمهورية الصين الشعبية.
سعتِ الصين لخلق نظام دولي جديد متعدد الأقطاب يمكن أن نستكشف هذا عن طريق منتدى التعاون الصيني-الإفريقي، وتحليل وثيقة أديس أبابا الذي قدَّم خطة عملية للعلاقات مع القارة وخلصت للقرار إلى: «تأييد الصين لموقف إفريقيا حول التعددية في المجتمع الدولي والعمل معه؛ للحفاظ على عالم متعدِّد حضاري ينتهج انماطاً تنموية مختلفة»، فيما واصلت الصين في تقديم المساعدات في الفترة (1970 – 1977)، إذ بلغت قيمة تلك المساعدات نحو (1.9) مليار دولار أمريكي استفادت منه (29) دولة من ضمنها دول غرب إفريقيا، كذلك شملت برامج المساعدة الصينية لإفريقيا بناء المستشفيات والطرق والمباني والمصانع الحكومية والملاعب الرياضية.
حدث تحوُّل -في الفترة (1969 – 1982)- في العلاقات الصينية-الإفريقية، إذ أضحى واضحاً بعد زيارة رئيس الوزراء الصيني لإفريقيا عام 1982 أنَّ الصين تتبنَّى منهج الدبلوماسية في مصلحة الاقتصاد عوضاَ عن المنهج السابق، وهو الاقتصاد في خدمة الدبلوماسية، وهو ما يعني بأنَّ الصين باتت حريصة على تحقيق المصلحة المشتركة للجانبين الصيني-الإفريقي تحت شعار تحقق التنمية معاً، وقد اتسمت هذه المرحلة الجديدة بتنوع مجالات التعاون الصيني الإفريقي وتعدُّدها؛ لتشمل مجالات الاقتصاد والصحة والتبادل الثقافي والتعليمي وتبادل الخبرات العسكرية. ومع العائق الجغرافي؛ إلا أن الصين ساعيةٌ لتحقيق الانضمام إلى المجتمع الدولي، والقيام بدور مؤثر فيه استناداً إلى حجمها الحقيقي، ونشر الاتجاه الأيديولوجي الذي تتبنَّاه الصين الشعبية في أكبر عدد من دول العالم في إطار السياسة العالمية التي انتهجتها القيادة الصينية حينذاك.
وانطلاقاً من الركائز الأساسية لأيديولوجية السياسة الخارجية الصينية عدَّت الصين أنَّ دول العالم الثالث وإفريقيا ما هي إلا قوة كبرى في العلاقات الدولية، وبإمكان الصين استخدامها لمصلحتها في إطار صراعها مع الغرب.