د. مروان سالم العلي – أستاذ جامعي في كلية العلوم السياسية، جامعة الموصل
مقدمة
يُعدُّ الماء عِماد الحياة، والعيش، ومفتاح التنمية المُستدامة، فهو ضروري للزراعة التي يتغذَّى عليها الإنسان، فالتمتع بالمياه هو حقٌّ أساسيٌّ من حقوق الإنسان، ومؤشر حقيقي مهم للنمو البشري. حتى غدت قضية المياه قضيةٌ جيوسياسيةٌ واجتماعيةٌ ملحة، وفي بعض الدول أضحت أزمة تهدِّد أمنها القومي. ومِنذُ بداية القرن الحادي والعشرين وإلى يومنا هذا، أشارت مُجمل البحوث والدِراسات المعنية بالشرق الأوسط ومُستقبله إلى أنَّ الأزمة الفعلية التي سوف تواجه شعوب منطقة الشرق الأوسط في المدى القريب هي أزمة الموارد المائية، ومِن البَدَهِي جداً أن يكون العراق في طليعة الأطراف المُتأثِّرة بِها لوقوع منابع نهري دجلة والفُرات خارج أراضيه وامتِدادهما إلى مسافات ليست بالقليلة في الأراضي التُركية.
أصبح مِن المؤَكد -بناءً على مُعطيات الواقع الحالي- دخول العراق في أزمة مائية كبيرة وخطيرة تُهدِّد أمنه الغذائي، ومكانته الإقليمية؛ لانخفاض مُعدلات سقوط الأمطار للعام الحالي 2022، والأعوام الماضية، مع تراجع كبير في كمية الموارد المائية الداخلة للعراق، خصوصاً بعد انخفاض مناسيب نهري دجلة والفرات؛ نتيجة تحكُّم دول الجِوار بحصة العراق المائية، فضلاً عن دخول البلاد في دورة التغيُّرات المناخية التي تسبَّبت في ارتفاع درجات الحرارة، وقلة سقوط الأمطار، مع زيادة كبيرة في التبخُّر؛ ممَّا أسهم إسهاماً كبيراً في ارتفاع ملوحة التُربة، وانتِشار التصحُّر على نِطاق واسع، إذ تُشير الإحصاءات الرسمية إلى أنَّ نسبة التصحُّر بلغت نحو (69%) مِن مساحة العراق الزِراعية، ما جعل العراق يحتل مرتبة مُتقدِمة في قائمة الدول الأكثر تضرراً جرَّاء التغيرات المناخية الحاصلة.
وتتمثَّل مُشكِلة المياه في العراق في اختِلال الميزان المائي مِن حيثُ زيادة الاحتياجات المائية مُقابل انخِفاض الإمدادات المائية اللازمة لتلبية مجالات الحياة المُختلِفة. وما يزيد مِن تعميق المُشكِلة هو استِمرار انخفاض الإمدادات المائية مُقابل استِمرار الاحتياجات المائية، إذ تُشير التقديرات إلى أنَّ تصريفات نهري دجلة والفرات ستستمر في الانخِفاض مع مرور الوقت، وستجف تماماً بحلول عام 2040 بمعنى أنَّ مُشكلة المياه في العراق تنمو وتكبر مع مرور الزمن.
وما زاد مِن حدة الأزمة وآثارها في العراق هي السياسات المائية المُجحفة المُتبعة مِن قِبل دول الجِوار وقيامها بإنشاء السدود على منابع نهري دجلة والفرات، وبعض روافد الأنهار التي تُغذِّي الأراضي العراقية، ممَّا أدَّى إلى تقليل حصة العراق المائية المتبعة لتقسيم المياه مع دول المنبع، وبذلك يصبح العراق الخاسر الأكبر في المُعادلة المائية الإقليمية.
ولكي نكون أكثر إنصافاً علينا ألَّا نُحمِّل دول الجِوار فقط مسؤولية تدهور قطاع الموارد المائية في العراق؛ لأنَّها في النهاية دول ذات سيادة على أرضها، ولها الحق في المُحافظة على أمنها الغذائي ولديها خططها المائية الخاصة بها، بل تقع المسؤولية أيضاً على الحكومات العراقية المُتعاقِبة التي أهملت قطاع الموارد المائية، وانشغلت بالنزاعات السياسية، والصِراعات الحزبية، وتجاهلت الحلول اللازمة لِمُعالجة هذه الأزمة، ومحاولة التخفيف عن كاهل المواطن العراقي. إذ إنَّ أزمة المياه أو ندرتها في العراق إنَّما هي في أساسها أزمة أسلوب إدارة إستراتيجية، وأزمة أسلوب تسيير هذا المورد المائي. وإنَّ استِمرار نقص الموارد المائية سوف يعرِّض العراق إلى مُشكِلات كبيرة ليس على مستوى القطاع الزِراعي والثروة الحيوانية فقط، بل يتعدى ذلك إلى تناقص إمدادات المياه الصالِحة للشرب؛ لذا يقع على عاتق الحكومة والبرلمان المقبلين مسؤَولية وطنية وتاريخية تتمثَّل في اتخاذ خطوات جادة باتجاه تعزيز حماية موارد العراق المائية داخلياً وخارجياً، والحفاظ عليها مِن الهدر والضياع؛ لأنَّها ملك الشعب، وعليها يتوقَّف مصير البلد.