د. ضرغام الأجودي – النائب الإداري لمحافظ البصرة
مقدمة
أُعِدَّ هذا التقرير إعداداً خاصاً بناءً على البيانات الرسمية لقسم التخطيط والأقسام المعنية الأخرى في مديرية تربية البصـرة، وبالاعتماد -أيضاً- على «خطة محافظة البصـرة لتطوير قطاع التعليم 2019 – 2022» والتي أعدَّتها منظمة اليونيسيف بالتعاون مع مديرية تربية البصرة.
واسْتُعِينَ بتقارير اللجان المختصة، واللقاءات والاجتماعات مع مسؤولي أقسام التربية في محافظة البصـرة، كما جُمِعَت شكاوى المواطنين وأولياء أمور الطلبة الواردة إلى مكتب النائب الإداري في محافظة البصـرة حول قطاع التربية والتعليم وحُلِّلَت.
فضلاً عن عشـرات الزيارات الميدانية للمدارس واللقاءات مع الهيئات التدريسية، والتعليمية، والطلبة، والتلاميذ، والاستماع إلى مشكلاتهم.
الهدف الرئيس من هذا التقرير هو رصد مشكلات قطاع التربية والتعليم وتشخيصها بدقة، وقياس حجمها الفعلي، وآثارها الحالية والمستقبلية على قطاع التعليم ومستقبل البلاد؛ لإعداد الخطط الكفيلة بمعالجة هذه المشكلات والمعوقات، وتقييم الخطط الحالية ومدى قدرتها على حل الأزمة في قطاع التعليم في محافظة البصـرة، وبالتأكيد ما يصدق على البصرة يصدق على غيرها من المحافظات.
ولعل أساس المعضلة كامنٌ في عدم وعي القيادة العليا للبلاد بأهمية قطاع التعليم ومحوريته في تحديد مستقبل البلاد، لذا نجد هناك إهمالاً واضحاً في تعاطي الحكومات المتعاقبة على البلاد في العقود الأربعة الأخيرة مع قطاع التربية والتعليم، إذ يُتَرَجَمُ هذا الإهمال بعدم حصول قطاع التعليم على نسبة إنفاق تتجاوز (4%) من النتاج المحلي الإجمالي للبلاد منذ أربعة عقود من الزمان وَفْق بيانات البنك الدولي.
راعينا الاختصار والإيجاز في عرض المشكلة وأسبابها، وعرض الحلول المناسبة عن طريق تسليط الضوء على الفجوات في قطاع التربية والتعليم، وبيان مقدار النقص ليتسنَّى للمخطط مراعاة الحاجات الملحة، والسقف الزمني المتاح للمعالجة؛ لأنَّ الأزمة لا تتجه نحو الانفراج في المدى القريب إلا بمقدار محدود.
عرض تاريخي للمشكلة
يعاني قطاع التعليم في العراق عموماً والبصـرة خصوصاً من مشكلات وفجوات كبيرة مزمنة تعود إلى أربعة عقود من الزمن، حينما بدأت الحرب العراقية الإيرانية سنة 1980م، حين تسبَّبت الحرب في عدم انتظام الدوام في المدارس في البصـرة واضطرابه، وانقطاعه لفترات طويلة، فضلاً عن حذف جزء كبير من المناهج الدراسية سنوياً، وقد وصلت نسبة الحذف إلى (30–40%) من كتب المنهج، فضلاً عن زجِّ المدرسين والمعلمين في جبهات القتال ضمن الجيش والجيش الشعبي، ففقدت المدارس أساتذتها، وبسبب هذه الحرب العبثية توقَّف بناء المدارس، أو تعميرها وترميمها، وحرمت من التخصيصات المالية، وبقيت أسيرة لحملات بناء المدارس بتمويل شحيح من رسوم طوابع إعمار المدراس.
تعرَّض قطاع التعليم -بعد غزو النظام البائد للكويت- إلى صدمة كبيرة، إذ أصبحت تخصيصاته معدومة، فلا بنايات جديدة، ولا ترميم، ولا صيانة للمباني القديمة، علاوة على إذلال وتجويع للطاقم التعليمي الذي كان يتقاضى ما يعادل دولارين فقط كراتب شهري لا تكفيه لطعام يوم واحد، ممَّا اضطرَّ المعلِّم والمدرِّس إلى امتهان مهن أخرى لا تليق به، كبيع السكائر، أو افتراش الأرصفة؛ لبيع البضائع المستهلكة، أو العمل كعامل بناء، وأدَّى ذلك إلى انهيار المنظومة القيمية للمجتمع، فتهاوى كثيرون أمام الحاجة الملحة، وانزلقوا في الغش، والرشوة، وعدم أداء الواجب المهني والأخلاقي، أمَّا الطالب فكان يعاني من الجوع أيضاً، ومن عدم توفير الملابس، والأحذية، والحقائب، والقرطاسية، والكتب المدرسية، فلا توفرها الدولة، ولا الأسرة تستطيع تأمينها ودامت تلك الظروف الشديدة القسوة (13) سنة من الجوع، والمرض، والضياع، وفقدان الشعور بالأمان، أو الأمل، سبقتها ثماني سنوات من الحرب الطاحنة.