د. عبدالله ناهض – باحث
مقدمة من وحي التاريخ
يذكر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق (أنتوني إيدن) في مذكراته أنَّ رئيس الوزراء العراقي في العهد الملكي (نوري السعيد) -وإبَّان الأزمة بين الرئيس المصري الأسبق (جمال عبدالناصر) من جهة، والمعسكر الغربي من جهة أخرى- عبَّر عن امتعاضه من النهج الذي كان يتبعه الغرب مع عبدالناصر، مشيراً إلى أنَّ السعيد قد حاججهم بأنَّ عبدالناصر ينال -عبر التهديد والوعيد- ما يريده من الغرب أكثر ممَّا يأخذه العراق عبر التعاون، أي: إنَّه لم يحصل من حلفائه الغرب إلا على النزر اليسير، قياساً بنوع العلاقة الإيجابية بين الجانبين، على العكس من علاقة الغرب مع مصر في عهدها الناصري الذي امتاز بالتوتر الدائم، وتهديد عبدالناصر للمصالح الغربية في الشرق الأوسط، ومع ذلك يحصل على ما يريد -على الأقل- كما كان يعتقد السعيد.
من ذلك يمكن عرض السؤال الآتي: هل تولَّد لدى القيادة السعودية ما شعر به العراق إبَّان عهده الملكي؟ ولا سيَّما أنَّها ترى منافستها إيران تحقِّق معظم أهدافها في الشرق الأوسط، وإلى هذه اللحظة لم ترَ المملكة من الولايات المتحدة الأمريكية إلا محاولات عديدة لعقد اتفاق مع إيران، قد يؤدِّي مستقبلاً إلى تهديد أمنها، وبالوقت نفسه إلى تراجع مكانتها عند الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها صاحبة الامتياز في التعامل، وقد تكنُّ القيادة الأمريكية لإيران الهيبة والاحترام أكثر من السعودية! فعالم العلاقات الدولية غالباً لا يحترم إلا القوي أو يخشاه على الأقل.
تستدعى هذه المفارقة في سياق التوتر الذي شهدته العلاقات بين السعودية وحليفتها الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي (جو بايدن)، فقد تشعر المملكة اليوم بما شعر به السعيد قبل عقود، فهي ومع كلِّ ما تقدِّمه للولايات المتحدة الأمريكية من امتيازات عديدة قد تظهرها في بعض الأحيان في موقف ضعيف أمام الدول الأخرى على أساس أنَّها خاضعة للإرادة الأمريكية -وإن وجد بعض الباحثين أنَّ الأمر لا يُعدُّ خضوعاً بقدر ما هو مصالح متبادلة بين الدولتين-، وترى السعودية أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية سائرة عكس الاتجاه الذي تهدف إليه في المنطقة، ولا سيَّما فيما يخصُّ الورقة الإيرانية، والموقف من حربها في اليمن، والشكوك حول مدى جدية الالتزام الأمريكي مع المملكة، والمبرَّر دائماً، سواءً من قبل الأمريكيين أم الباحثين في هذا المجال، وهو أنَّ المصلحة الأمريكية تقتضي ذلك على أساس أنَّه لا يوجد ثابت في السياسة.
إلا أنَّه من جانب آخر يمكن القول إنَّ المصلحة -في بعض الأحيان- لا يفترض أن تكون على حساب الحلفاء، فذلك قد يؤدِّي إلى تضرُّر العلاقات المتبادلة بين المتحالفين، فضلاً عن تضرُّر جانب المصداقية، الذي يشكل عاملاً مهماً في أية علاقة تجمع بين دولتين أو أكثر، هذا العامل إن تضرَّر قد يؤدِّي إلى نفور الدول، ومنهم الحلفاء من الذهاب باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية، على أساس أنَّها لا تلتزم مع حلفائها على الدوام؛ ممَّا ينعكس سلباً على مصداقيتها، وهذا ما يستثمر فيه منافسيها وأهمهم روسيا والصين؛ للقيام بعملية دعائية، ترسِّخ فكرة أنَّ الأمريكيين لا عهد ولا صديق لهم، وهو ما يضرُّ صورة الولايات المتحدة الأمريكية أمام سائر الدول، وهذا ما يخشاه حلفاؤها من دول مجلس التعاون الخليجي، وفي طليعتهم السعودية.
ولا نستبعد أن يكون هذا أحد الأسباب المهمة؛ لبرود العلاقات بين الجانبين أو توترها، ولا سيَّما مع وصول بايدن إلى سدة الحكم، والذي تبنَّى مواقف عدَّتها السعودية سلبية، وفي مقدمتها إثارته لقضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشجقي، وحربها في اليمن، والتلويح بإيقاف الصادرات العسكرية للسعودية، وخيبة أملها من موقف الولايات المتحدة الأمريكية عقب تعرُّض أرامكو للقصف، إذ لم تلمس ذلك الدعم الأمريكي اللازم لأمنها، مع أنَّ التأثير على أرامكو لا يعني السعودية فحسب، بل العالم أجمع؛ لأنَّ ذلك سيؤدِّي إلى تضرُّر الإنتاج النفطي السعودي، الذي بدوره ينعكس سلباً على أسعار النفط العالمية، بل وجدت العكس من ذلك، ولا سيَّما أنَّ تصريحات الإدارة الأمريكية لا تطمئن بالمرة، فعلى سبيل المثال صرَّح مستشار الأمن القومي الأمريكي (جيك سوليفان) قائلاً: إنَّ إدارة بايدن استبدلت سياسة (الصك) على بياض اتجاه السعودية، والتي اعتمدتها إدارة ترامب السابقة.