مقدمة:
لم يرد ذكر موعد إجراء انتخابات مبكِّرة ثانية على لسان أيٍّ مِن القيادات السياسية في الأيام التي سبقت التصويت على عبداللطيف رشيد رئيساً للجمهورية، وتكليف محمد شياع السوداني بتشكيل الحكومة التي نالت الثقة في السابع والعشرين من تشرين الأول 2022، ما أثار تساؤلات بشأن فرص الحكومة الجديدة بإجراء الانتخابات، ومدى جدية القوى السياسية في التعاطي معها، والوقت المناسب لإجراء الانتخابات في حال جرى الاتفاق على ذلك.
ويبدو أنَّ التركيز على البحث عن مخارج للأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد منذ أكثر من عام جعل التصويت على رئيس الجمهورية، وتشكيل حكومة جديدة في صدارة الأولويات، وتراجع الحديث عن الانتخابات وموعدها حتى وإن كان بصورة مؤقتة، إلا أنَّ ذلك لا يعني مغادرة هذا الخيار مغادرة نهائية، خصوصاً في ظل وجود قناعة لدى معظم الطيف السياسي بضرورة الذهاب نحو انتخابات جديدة، لكن بعد تشكيل حكومة قوية قادرة على ضبط إيقاع العملية السياسية التي عانت من هزَّات عنيفة في الأشهر التي سبقت التصويت والتكليف.
ومع غموض المواقف بشأن موعد الانتخابات الجديدة، إلا أنَّ بعض التصريحات التي أدلى بها سياسيُّون أشارت إلى أنَّها لن تُجْرَى قبل مرور (18) شهراً على الأقل، أي: إنَّ أقرب موعد لها هو ربيع عام 2024، ويكون في هذه الحالة البرلمان قد قضى ثلاث سنوات من عمر دورته الانتخابية البالغة أربعة أعوام، وقد يفتح هذا الأمر باباً للنقاش حينها بمنح البرلمان فرصة لإكمال دورته وتأجيل الانتخابات حتى 2025، وفي هذه الحالة سيكون أمام الحكومة فرصة أطول للإنجاز.
وتعدَّدت التكهُّنات بشأن الانتخابات حتى كشف عن المنهاج الوزاري لحكومة السوداني الذي أعلن في يوم جلسة منح الثقة، والذي أشار إلى وجود نية لدى الحكومة لإجراء انتخابات في عام، بعد تعديل قانون الانتخابات في ثلاثة أشهر، في إشارة واضحة إلى أنَّ الانتخابات ستكون واحدة من الأولويات التي وضعتها الحكومة في الحسبان.
أولاً: الانتخابات المبكِّرة الأولى
تُعدُّ انتخابات العاشر من تشرين الأول 2021 الانتخابات المبكِّرة الأولى في سجِّل العمليات الانتخابية العراقية التي تلت عام 2003، كما أنَّها تُعدُّ الانتخابات الأكثر جدلاً طيلة (19) عاماً، وكادت مخرجاتها أن تُودِي بالعملية السياسية، وتسبِّبت بتناحرٍ سياسيٍّ غير مسبوق، وصل إلى مستويات خَطِرَة.
وبدأت الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكِّرة مع انطلاق احتجاجات تشرين عام 2019، ورافق ذلك مطالبات بتغيير مفوضية الانتخابات وقانونيها، وجرى إلغاء المفوضية السابقة، وشُكِّلَت مفوضية من القضاة، والانتقال بالعراق من نظام الانتخاب بالتمثيل النسبي إلى الدوائر المتعددة نزولاً عند رغبة فئة من المحتجين، وتشكيل حكومة جديدة برئاسة مصطفى الكاظمي في أيار 2020، إذ اتخذت قراراً بإجراء الانتخابات المبكرة في 6 حزيران 2021 قبل أن تُؤجَّل؛ لأسباب فنية حتى 10 تشرين الأول 2021.
وحظيت الانتخابات قبل إجرائها وفي يوم إجرائها بإشادة كبيرة من قبل معظم القوى المشاركة فيها، ومن قبل المنظمات المحلية والدولية التي راقبت يوم الاقتراع، إلا أنَّ مفاجئة كبيرة حدثت بعد الإعلان عن النتائج الأولية، إذ تعرَّضت النتائج للتشكيك والطعن من قبل بعض الكيانات السياسية المشاركة في الانتخابات، وتبع ذلك جدل سياسي ما زالت بعض آثاره حاضرة حتى اليوم.
أحدثت نتائج الانتخابات -على المستوى السياسي- انقساماً سياسياً كبيراً بعد ذهاب الكتلة الصدرية نحو خيار تشكيل حكومة أغلبية ضمن ما كان يعرف بـ»التحالف الثلاثي»، أو «إنقاذ وطن» بعد تفاهمات مع تحالف السيادة، والحزب الديمقراطي الكرستاني، إلا أنَّ هذا المشروع لم ينجح؛ لعدم قدرة هذا التحالف على تحقيق أغلبية الثلثين لتمرير مرشح رئاسة الجمهورية، واستمر الخلاف حتى انسحاب الكتلة من مجلس النواب في حزيران 2022.