سرهنك حمه سعيد – مدير برامج الشرق الأوسط في معهد السلام الأمريكي، في واشنطن
تراجع تهديد تنظيم داعش بعد أكثر من ثلاث سنوات من هزيمته العسكرية في العراق وسوريا؛ بفضل الجهود الجماعية للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي تآلف لهزيمته إلى جانب الشركاء العراقيين والسوريين. في الوقت الذي تقلصت فيه قدرة التنظيم المتطرف كثيراً، وعاد ملايين النازحين إلى ديارهم، واصل داعش شن الهجمات سنوياً، مع أنه لم يعد يسيطر على الأراضي. في هذه الأثناء، ما تزال بعض أصعب المخلفات البشرية معنا، بِلا نهاية تلوح في الأفق.
في حين أنَّ عدد الأشخاص الذين ما زالوا متأثرين بالصراع يصل بِلا شك إلى الملايين، فإنَّ الفوراق اليسيرة لكل مجموعة تكون مهمة حينما يتعلق الأمر بفهم وضعهم، وصياغة استجابة لمعالجة مشاكلهم، واستلهام الدروس؛ لتوجيه العمل في المستقبل.
من أكثر المشكلات الشائكة التي خلَّفها داعش وراءه آلاف النازحين المنتمين إليه، أو الذين يُعتقد أنَّهم منتمون للتنظيم، والذين يقيمون في المخيمات، أو خارج مناطقهم الأصلية في العراق وسوريا.
تفكيك الموروثات البشرية لصراع داعش
إنَّ الموروثات البشرية لصراع داعش تتنوَّع من أشخاص ليس لديهم انتماء من منظور السلطات والمجتمع (اختلافات مهمة) إلى آخرين لديهم انتماء محسوس، سواءً أكانوا فرداً أم عائلة بأكملها، أم حتى قبيلة أم طائفة، إلى آخرين منتمين فعلياً، من هم عائلات أفراد داعش الفعليين. سيركز هذا المقال على النازحين وليس أعضاء داعش والمعتقلين.
هناك عديد من الأشخاص الذين يتعاملون حالياً مع تنظيم داعش كما لو كان مشكلة من الماضي، وهذا في حد ذاته مشكلة. يرى بعضهم أنَّ ما تبقى من صراع داعش هو قضية أمنية يمكن لقوات الأمن العراقية وقوات سوريا الديمقراطية التعامل معها. يعتقد بعضهم الآخر أنَّ هناك أولويات أكثر أهمية، مثل حرب روسيا في أوكرانيا أو منافسة القوى العظمى.
لكن داعش هي مشكلة الأمس واليوم والغد. بين أيدينا تحدٍ متعدِّد الأجيال -ليس فقط حينما تنظر إلى تاريخ التطرُّف في هذه المنطقة على مدار الثلاثين عاماً الماضية- ولكن نتطلَّع إلى الكشف عن السنوات العشر أو العشرين المقبلة.
كما قال الجنرال كينيث ماكنزي، القائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية، لجمهور معهد السلام الأمريكي في عام 2020: «يجب أن تتضمَّن الهزيمة الدائمة لداعش كيفية لتعبيد الطريق للنازحين، وجميع الأشخاص المعرضين للخطر على الساحة؛ إذا لم يكن الأمر كذلك، فلن نهزم داعش حقاً وستعود المشكلة». في الواقع، بعض هذه القضايا موجودة فعلاً في العراق وسوريا: ما يزال آلاف المقاتلين مطلقي السراح، وكثير منهم في السجن، في حين أنَّ أفراد عائلاتهم معرَّضون للخطر، أو قد يمثِّلون نقط ضعف، إن لم تعالج.
حينما يتعلَّق الأمر بالنزوح الناجم عن صراع داعش، لا يوجد مثال يوجز التحديات التي نواجهها أفضل من مخيم الهول. يُعدُّ مخيَّم الهول في شمال شرق سوريا أحد أكثر مظاهر الإرث البشري تعقيداً لداعش، إذ يعيش هناك حالياً حوالي (57000) شخص من (60) دولة، معظمهم من النساء والأطفال. بين مخيَّم الهول ومخيَّم رز القريب، هناك ما يقرب من (40) ألف طفل (الآلاف الأطفال اليتامى) من بين هؤلاء السكان النازحين.
كيف نتحدث عن تأثيرات الهول على حل المشكلة
تنتشر بين أوساط المحللين والمسؤولين الحكوميين وقادة المنظمات غير الحكومية وأفراد المجتمع طيفٌ متنوع من الأوصاف الخاصة بالهول، توصيفات من قبيل «القنبلة الموقوتة»، و «غوانتانامو الشرق الأوسط»، و «مستودع داعش»، و «جامعة داعش» أو» الخلافة «من بين أسماء أخرى. يستخدم بعضهم هذه المراجع في محاولة لتبيين الحاجة الماسة لمعالجة الأزمة، في حين يستخدمها آخرون لتأكيد أنَّ سكان المخيَّم خطرون.
هذه المصطلحات غير إنسانية ولا تخدم الهدف نفسه المتمثل في محاولة إعادة هؤلاء الأشخاص، وإعادة دمجهم في المجتمع. كيف يمكن أن نتوقَّع من البلدان والمجتمعات أن تعيد هؤلاء الأشخاص إلى ديارهم عند وصفهم بهذه المسميات؟ لا وحت عمل وسائل الإعلام غير ذي نفع في هذا الصدد، إذ تطلق عليهم تسمية «عائلات داعش» وتشارك مقاطع الفيديو التي تظهر وجهة نظر جزئية وحسب، من شأنها أن تظهرهم بمظهر شيطاني مؤدية إلى نتائج عكسية. نحن بحاجة إلى العمل معاً لاعتماد المصطلحات والأوصاف ذات الصلة التي تمنع على الأقل الضرر وتساعد في مواجهة التحدي.