شاهين فوزي- باحث مختص في شؤون مكافحة الارهاب
تُحاول هذهِ الورقة إعداد أداة تحليلية لتقييم طبيعة التهديدات التي يُحاول تنظيم الدولة فرضها داخل الأراضي العراقية سيما بعد الزيادة المُقلقة في أنشطة عملياتهِ ومستوياتها مؤخرًا، إذ يؤشر المستوى المُتزايد في الأنشطة إلي نوع من أنواع اليقظة، التي تُشير بالضرورة لتنامي مستوى التخطيط، الذي يستلزم طرديًا تصاعُد نشاط العمليات العسكرية، إن المرونة العالية في الحركة التي ظهر بها التنظيم مؤخرًا في بعض قواطع عملياتهِ في العراق قد تُمكنه من بناء «مجال» حيوي يؤمن عِبره التغطية اللازمة لمركز إمداداتهِ العسكرية واللوجستية، لأن الضغط الذي مارسهُ باتجاه قواتنا على الأرض مُنذ أكتوبر 2021 حتى يناير 2022 يؤكد أنهُ بات يتمتع بالمنعة من جديد، وبالوقت الذي نعتقد أن نزواته بالسيطرة الميدانية أصبحت بعيدة المنال، نؤكد بالوقت ذاته أن تأمينه نطاق حيوي سببًا يدعو للقلق.
ونظرًا لتنوع التهديدات الأمنية دائمة التغيير التي يُحاول التنظيم فرضها ومع تعقيد حجم المعلومة نعتقد أن تطوير إمكانات تحليل البيانات والمعلومات أمر جوهري يُساهم في إجراءات مُستقبلية أكثر فاعلية لعرقلة نشاط التنظيم الميداني، وتعزيز وضع أفضل مُلائم للقوات على الأرض.
هذهِ الورقة تعتمد الاستقراء كمنهج ومرجع أساس بتحليل البيانات للوصول لاستنتاجات وتنبؤات مُحتملة عبر تحليل أنماط النشاطات ومستوياتها، والعلاقات المُتشابهة بينها، لأن عملية التحليل بناء على الاستقراء من شأنهِا التنبؤ بالسلوك الميداني المُستقبلي للهجمات وتحديد طبيعتها التي يكشف وجه التشابُه بينها ضرورةً عن خُطط القواطع العسكرية والخُطط الإستراتيجية المركزية عمومًا. ترتكز هذهِ الأداة في تحليلها بالدرجة الأساس على البيانات والمُستندات الرسمية للتنظيم نفسه، وبالإمكان اختبار فاعلية هذه الأداة في تحليل البيانات عبر استخلاصها نتائج فاعلة مُحتملة يُمكن الحُكم عليها أثناء التجرُبة.
– إزاء النمو المُتواصل للإرهاب يُعتبر تطوير أدوات التحليل تحديًا حقيقيًا شأنهُ شأن أي تحدٍ أمني أو عسكري، لذا يُعد الفهم الواضح للتهديدات الإرهابية جُزء رئيسي وحساس في مجال مُكافحة التهديدات العنيفة على نحو فعال.
قُمنا بدايةً بجمع وتحليل بيانات تتعلق بالنشاط العملياتي الميداني مُنذ « أكتوبر 2021 حتى يناير 2022 « مُتفحصين الاتجاهات المُتعلقة بها، حيث اعتمدت هذهِ الورقة في جمع البيانات على المُستندات الرسمية للتنظيم «صحيفة النبأ» الصادرة عن ديوان الإعلام المركزي بشكل أسبوعي. وقد غطت هذهِ الورقة نشاط التنظيم من العدد «299» حتى «314» حيث تم تقسيم مقاييس الهجوم، إلى عينات تُحدد أنواع الهجمات الأكثر فاعلية «كالغارات والاشتباكات» على الإجراءات الأقل تأثير التي يباشرها العدو «كالإستهدافات بالعبوات الناسفة والصواريخ» و «الاختطاف أو والتخريب». تأخذ هذهِ المنهجية في تحليل البيانات النظر في السياق الاستراتيجي الأوسع الذي حدثت فيهِ العمليات، حيث قُمنا بتقسيم ما يُسمى بـ» ولاية العراق» إلى دوائر ثلاثة، الأولى « ذات مخاطر عالية المستوى» والثانية « ذات مخاطر نشطة متوسطة المُستوى و مُتفاوتة « والثالثة « ذات مخاطر واطئة التأثير مُنخفضة المُستوى» شمَلت:
الدائرة الأولى: قاطعي، كركوك – ديالى.
الدائرة الثانية: قواطع، الأنبار – شمال بغداد – دجلة
الدائرة الثالثة: قاطعي، نينوى – الجنوب.
– الدائرة الأولى: شملت قاطعي كركوك وديالى اللذان يُصنفان الأخطر ضمن القواطع التي عَزز التنظيم فيها انتشاره بالعراق، والسبب في ذلك يُعزى إلى طبيعة المهام التي أُسندت لهذين القاطعين، التي يُمكن الإشارة إليها بنحوٍ من الإجمال في هذهِ الورقة لا التفصيل.
خلال استقراء مُفصل أجريناه لنشاط قاطعي كركوك وديالى لثلاثة أشهُر ونصف بين عامي 2021 – 2022 لاحظنا بتركيز أن طبيعة الهجمات التي يشُنها مُقاتلو التنظيم في ذلك القاطع «استباقية هجومية» حيث شكلت «الغارات» ضد الثكنات الثابتة و «الاشتباكات» ضد القوات الراجلة النسبة الأعلى من إجمالي النشاط العام – بهدف إلحاق إصابات جماعية وأضرار جسيمة في القوات المُنتشرة ضمن القاطع- بينما تلتها عمليات الاستهداف «الغير مُباشر» المُتمثلة بالهجمات عِبر العبوات الناسفة وقذائف الهاون بنسبة أقل «طرديًا» لتأتي بعدها عمليات إحراق المزارع وتخريب المُمتلكات الخاصة بشكل أقل تركيزًا، حيث بلغت» الغارات» في قاطع كركوك خلال المُدة المذكورة أعلاه من إجمالي نشاطه العام 85 % ، بينما احتلت « الاشتباكات» نسبة ٩٠ ٪ من إجمالي نشاط عملياته قياسًا بباقي النسب الأخرى من النشاطات، ليأتي قاطع ديالى كأكثر القواطع ثباتًا في مستوى النشاط العام بعد قاطع كركوك – وهذا قد يُعزى للتضاريس المادية والبشرية المتنوعة والديناميكيات الطائفية الفريدة التي أعطت هذا القاطع طابعًا مستقلاً إلى حد ما ومكتفٍ ذاتيًا مميزًا عن مناطق عمليات التمرد- حيث جاء مُتصدرًا «بالغارات» ضد ثكنات القوات بنسبة ٣٠ ٪ و « الاشتباكات» بنسبة 20 %.