د. نور علي صكب– دكتوراه العلاقات الدولية والسياسة الخارجية، تدريسية في قسم القانون، في كلية الهادي الجامعة
يمرُّ العراق اليوم بأزمات سياسية داخلية خطيرة، تهدِّد النظام السياسي والسلم الأهلي برمته، ومن أكبر هذه الأزمات هي أزمة تشكيل الحكومة التي تراوح مكانها منذ أشهر، مع تفاقم الخلافات لاختيار مرشح يشكل الحكومة، ممَّا أدى إلى دخول البلاد حالة الانسداد السياسي وتجاوز المهل الدستورية.
شكَّل هذا الوضع المرتبك خيبةَ أملٍ للمواطن العراقي، خصوصاً بعد أن كان قد بنى أمل إصلاح النظام السياسي سيكون عن طريق هذه الانتخابات المبكِّرة التي دُفِعَ ثمنها دماء في احتجاجات تشرين 2019، والتي مثَّلت أكبر تظاهرة في تاريخ العراق الحديث، واستمرت نحو عام كامل.
لذا تتزامن حالة الانسداد السياسي مع خيبة أمل كبيرة يشعر بها المواطن العراقي، يدفع نحو منعطفات خطرة، وهذا يدفعنا إلى عرض تساؤل هو: العراق إلى أين؟ وسنحاول الإجابة عليه عن طريق تتبُّع الأحداث التي مر بها العراق منذ احتجاجات تشرين 2019 وتحليلها.
أولاً: التظاهرات والاحتجاجات لعام 2019
تولَّد شعور جمعي شعبي بضرورة الاحتجاج والتظاهر أدَّى إلى اندلاع تظاهرات 1/ تشرين الأول 2019 التي تُعرف بـ(ثورة تشرين)؛ لتردي الواقع السياسي والاقتصادي، وانتشار الفساد المالي والإداري والبطالة، وكذلك ندَّد المتظاهرون بالتدخُّل الخارجية بالشأن العراقي، وأدَّى احتدام الاحتجاج إلى استقالة حكومة عادل عبد المهدي، وتشكيل حكومة مؤقته تقوم بإدارة المرحلة تمهيداً لإجراء انتخابات جديدة، وتعمل على تهدئة الأوضاع في البلاد، إذ أعلنت مفوضية حقوق الإنسان في العراق، ارتفاع حصيلة ضحايا الاحتجاجات في الشهرين الأولين للتظاهرات إلى (495) قتيل، وأكثر من (21) ألف جريح، كما أعلنت المفوضية عن اختطاف (170) شخص من المتظاهرين ومن ساحات الاحتجاج، من دون أن توجّه أصابع الاتهام الى جهة محددة.
ثانياً: الانتخابات المبكِّرة والمواقف الداخلية والدولية منها
المتغير الأبرز في الدورة التشريعية السابقة (الخامسة بعد 2003) هو إقرار مجلس النواب العراقي قانون الانتخابات الجديد، إذ غُيِّرَ النظام الانتخابي من قانون (سانت ليغو) المعدَّل الذي أُجريت بموجبه انتخابات 2018 مع عدِّ كلِّ محافظة بوصفها دائرةً انتخابية، في ظل تصويت واحد غير قابل للتحويل، إلى قانون انتخابات رقم (9) لعام 2020، الذي اعتمد نظام الدوائر المتعددة، والترشيح المستقل، وقسَّم العراق على (83) دائرة انتخابية متعددة الأعضاء، بحيث ستذهب فيها أصوات المقترعين إلى مرشحهم مباشرة، وسيفوز الحاصل على أعلى الأصوات، خلافاً للقانون السابق الذي كان يعتمد فيه المرشحون على أصوات القائمة الانتخابية.
أشارت المفوضية العليا للانتخابات إلى أنَّ (25) مليوناً، و(182) ألف و(594) عراقي يحق لهم التصويت لانتخاب (329) عضو في مجلس النواب الجديد، بموجب قانون الانتخابات الجديد، ويكون تقسيم العراق (83) دائرة بناءً على حصة النساء «الكوتا» (مقعد واحد في كل دائرة انتخابية)، أي: ربع أعضاء مجلس النواب.
وسط حالة من الاضطرابات والجدل بين المقاطع والرافض والمؤيد للمشاركة في الانتخابات، أُجريتِ الانتخابات النيابية في العراق في 10/ تشرين الأول/ 2021، وانْتُخِب (329) عضو لمجلس النواب العراقي، وذكرت المفوضية أنَّ نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية بلغت (44%)، وكانت أعلى نسبة مشاركة في محافظة دهوك بواقع (57%)، وأقل مشاركة في بغداد/ الرصافة بواقع (31%).