دياري صالح – باحث وأكاديمي
تسعى هذه الورقة إلى معرفة الكيفية التي ينظر بها الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي يرأسه مسعود البرزاني ويتخذ من أربيل مقراً له، إلى قضاء مخمور الذي يقع ضمن ما يعرف بالأراضي المتنازع عليها. كما تهدف هذه الورقة إلى معرفة كيف تقيِّم أربيل دور القوى الأخرى الموجودة في مخمور، التي تحولت اليوم إلى واحدة من المناطق الأمنية القلقة. وهو ما يثير مخاوف كثيرة لدى أربيل على المدى البعيد. ولتفحُّص هذه المعطيات، فقد تُطُرِّق إلى أهمية الموقع الجغرافي لقضاء مخمور، ودوافع إصرار أربيل على كردستانيته، وكيفية توظيفه في جغرافية الانتخابات، فضلاً عن مناقشة الآثار التي يمثلها وجود داعش، والحشد الشعبي، وحزب العمال الكردستاني على توجهات أربيل في مخمور، وكيف دفعها ذلك إلى التعاون مع بغداد بوصفها الطرف الأمثل لمواجهة هذه التحديات.
الموقع الجغرافي لقضاء مخمور
يصنف قضاء مخمور -الذي تصل مساحته إلى 2759 كم2- على أنَّه جزء من المناطق المتنازع عليها ما بين أربيل ونينوى؛ لذا هناك تناقض في طبيعة الخرائط التي توضِّح الانتماء الجغرافي له. يُظهر هذا النوع من التناقض في عديد من البيانات الرسمية التي تقدِّمها جهات مختلفة، بما فيها وزارات الحكومة الاتحادية في بغداد.
يتسم قضاء مخمور -الذي يتبع رسمياً محافظة نينوى- بأهمية نسبية في سياق موقعه الجغرافي. إذ يقع هذا القضاء ما بين أربع محافظات أساسية تحيط به من جميع الجوانب متمثلة بمحافظة نينوى، وأربيل، وكركوك، وصلاح الدين (ينظر الخريطة المرفقة). وهو بذلك يمثِّل منطقة انتقالية ما بين النطاق العربي والنطاق الكردي في العراق. ويمكن كذلك أن يشكل حالة دراسية مهمة للتحقق من الفرضيات التي تتحدث عن فكرة التعايش السلمي ما بين القوميات في عراق ما بعد 2003.
يصنِّف قضاء مخمور -في ظل هذا الموقع- على أنَّه جزء من المناطق المتأثرة بمناخ السهوب الانتقالي الذي يغطي أجزاءً واسعةً من المنطقة المتموِّجة في العراق، والتي يحتل فيها سهل مخمور مكانةً متميزةً. وهو ما أسهم مساهمةً كبيرةً في دفع السكان المحليين هناك إلى اعتماد نشاط اقتصادي مهم يتمثَّل بزراعة المحاصيل الإستراتيجية وعلى رأسها القمح والشعير. ونظراً لانتشار عدد كبير جداً من القرى الزراعية في قضاء مخمور، فقد عمدت الحكومات العراقية بعد عام 2003 إلى اقتراح مجموعة من المشاريع الإروائية ومشاريع حفر الآبار الارتوازية بعد أن بدأت مواسم الجفاف تضرب عديداً من المدن العراقية؛ لإدامة الإنتاج الزراعي في هذه المنطقة. إلا أنَّ قضاء مخمور يعاني الآن معاناة كبيرة من عدم تطبيق مثل هذه المشاريع لأسباب متعددة، سياسية ومالية وإدارية. مع ذلك، يصنِّف بعضهم هذه المنطقة بأنَّها ما زالت تُعدُّ واحدة من المناطق الزراعية المهمة في شمال العراق. تسهم هذه الميزة مساهمة كبيرة في الدفع باتجاه مزيد من التنافس عليه، خصوصاً أنَّ موارده الزراعية يمكن أن تشكِّل عنصراً داعماً للأمن الغذائي في خارطة المحافظة التي يقع ضمنها حالياً أو مستقبلياً.
مع أنَّه لا توجد هناك إحصائيات حقيقية ودقيقة من الجهات الرسمية تتعلَّق بكميات النفط والغاز الطبيعي الموجودة في قضاء مخمور، فإنَّ هناك تأكيدات من جهات مختلفة تشير إلى وجود حقول نفطية في هذا القضاء. على سبيل المثال تذكر مجموعة الأزمات الدولية بأنَّ هناك امتداد لحقل آفان النفطي في كركوك باتجاه أجزاء من هذا القضاء، فضلاً عن وجود حقلين نفطيين آخرين مهمين هما حقل قره جوخ ومخمور، فضلاً عن آبار نفطية أخرى لم تعد منتجة؛ بسبب ما نالها من عمليات إنتاج عشوائية في سنوات الثمانينيات والتسعينيات. كما تؤكِّد شركة نفط الشمال بأنَّ حقل باي حسن النفطي، الواقع في شمال غرب كركوك، يمتد باتجاه نطاقات مهمة داخل المساحة الجغرافية لقضاء مخمور. لذا، تزداد حدة التنافس على عائدية هذا القضاء بين الأطراف السياسية المختلفة في العراق بين الحين والآخر، مذكرة الجميع بنمط السياسات التي اعتمدها نظام البعث حينما قام بحرمان الأكراد من ضم قضاء مخمور إلى جغرافيتهم طيلة المدة التي بقي فيها إقليم كردستان خارج سلطة الحكومة المركزية (1991– 2003).