شهدتِ العلاقات العراقية التركية (بينهما 367 كيلومتراً من الحدود البرية المشتركة) -بعد استقلال العراق- تقلباتٍ بعضها كان جيداً وبعضها الآخر كان سيئاً، فضلاً عن تطورات مختلفة. لطالما كانت الخلافات والتعاون بين العراق وتركيا موجودة دائماً بعد الحرب العالمية الأولى. بُنيتِ السياسة الخارجية التركية في العالم العربي على عناصر رئيسة مثل التعاون والمشاركة واحترام السيادة والاستقلال وسلامة الأراضي.
فضلاً عن تعزيز التعاون الإقليمي والدولي عن طريق المشاريع الثنائية والمتعددة الأطراف؛ فإنَّ حل النزاعات بالطرائق السلمية، وتعزيز السلام الإقليمي والدولي والاستقرار والازدهار يُعدُّ من المبادئ التي تدل على سياسة تركيا الخارجية. تشمل بعض الأهداف الرئيسة: الحفاظ على مكانة تركيا وترسيخها، ووضع العلامات الجيوسياسية لتركيا في العلاقات الإقليمية، وإبراز دور تركيا بوصفها قوة إقليمية مستقلة، وإعادة إنشاء إقليم شبه إمبراطوري يؤثر على النطاق الإقليمي للإمبراطورية العثمانية، وما إلى ذلك.
تهذيب مكانة تركيا في شمال العراق والحنين العثماني
مع تخلِّي تركيا عن مطالبتها بالموصل في عام 1926 بعد توقيع معاهدة، إلا أنَّ نفوذها المتزايد في الموصل وشمال العراق، عن طريق توسيع العلاقات مع التركمان العراقيين والعرب السنة وتوسيع قنصلياتها يُعدُّ أمراً بالغ الأهمية للكثيرين في تركيا. الموصل هي الأرض المقتطعة من الإمبراطورية العثمانية، كما أنَّه، من وجهة نظر تركيا، لم يتمكن التركمان من تحقيق حقوقهم السياسية والثقافية والاجتماعية. تُعدُّ تركيا أنَّ التمثيل العادل لجميع الفئات في العراق، ودور التركمان كثاني أكبر مجموعة عرقية في إقليم كردستان، ومصير منطقة كركوك متعددة الأعراق أمراً بالغ الأهمية.
يبدو أنَّ تركيا غير راضية عن تغلغل نفوذ إيران في شمال العراق. من وجهة نظر عديد من الأشخاص في تركيا، هناك صلة أكثر بين (وحدات مقاومة سنجار) (YBŞ) وحزب العمال الكردستاني، والحشد الشعبي بقيادة الشيعة، أو ما يسمَّى بالحشد الشعبي (HSB) مع الاتحاد الوطني الكردستاني، وعلاقة إيران مع حزب العمال الكردستاني والحشد الشعبي وعلاقة الحزب الوطني الكردستاني مع الحشد الشعبي ضد مصالح تركيا.
المصالح الأمنية في شمال العراق وتنظيف حزب العمال الكردستاني
منذ انتهاء محادثات السلام في عام 2015، فقد ما لا يقل عن (490) مدني، و(1200) من أفراد قوات الأمن التركية و(2750) من مقاتلي حزب العمال الكردستاني حياتهم وَفْقاً لدراسة أجرتها مجموعة الأزمات الدولية عام 2019. تجاوز إجمالي عدد القتلى في الصراع الذي دام أربعين عاماً (40000) قتيل. يستمر الصراع التركي مع حزب العمال الكردستاني (PKK) -المعترف به منظمةً إرهابية من جانب تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي- في جنوب شرق تركيا وشمال العراق. يُعدُّ وجود حزب العمال الكردستاني في العراق تهديداً للأمن القومي التركي، منذ السنوات الماضية، وتضغط أنقرة على العراق لتنفيذ عمليات منسقة لطرد حزب العمال الكردستاني و(وحدات مقاومة سنجار (YBS) من سنجار، وحافظت على وجودها العسكري الدائم في شمال العراق. تشكَّلت وحدات (YBS) بمساعدة حزب العمال الكردستاني بعد أنِ اجتاح تنظيم الدولة الإسلامية سنجار في آب 2014، وقتل الآلاف من الرجال الإيزيديين واختطف نسائهم وأطفالهم.
في الواقع، تابعت تركيا مشروع «المنطقة الآمنة» على طول الحدود العراقية ببنائها لقواعد عسكرية، ونقط تفتيش، ونشر ما يقرب من (5000-10000) جندي على الدوام، وعقد اتفاقيات غير رسمية مع إقليم كردستان، وتنفيذ عمليات عسكرية في شمال العراق حتى عمق (60-70 ) كيلومترا. من وجهة نظر تركيا، فإنَّ لتركيا الحق في التدخُّل في العراق تماشياً مع حقوق الدفاع عن النفس المستمدة من المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة، وما زالت أحكام الاتفاقية بين الطرفين عام 1983 تُعدُّ مشروعة.