back to top
المزيد

    التنمية المحلية المستدامة بوصفها سبيلاً للحوار الوطني

    READ IN: ENGLISH

    عماد الشيخ داود – أستاذ السياسات العامة والنظم السياسية في كلية العلوم السياسية – جامعة النهرين
    (للحصول على مواطن ناضج صالح .. عليك تعليمه ليكون كذلك في ظل مؤسسات قوية ونافعة وتشاركية)
    أثبتتِ التجارب الدولية بأن الحقبة الأولى من التحول باتجاه الديموقراطية بعد فترات زمنية ليست بالقصيرة من الحكومات الإطلاقية، وتكون ذات طبيعة غير مستقرة وعنيفة في كثير من الأحيان؛ ففي يوغسلافيا السابقة على سبيل المثال وبعد أول انتخابات وطنية على إثر زوال النظام الشيوعي بدأت البنادق بإطلاق رصاصاتها بين أبناء الوطن .. وفي بورندي حدثت آثار دامية راح ضحيتها عشرات الآلاف من الأبرياء بعد إجراء أول انتخابات في تاريخ البلاد .. كذلك لن تخلو الثورات العربية التي أجرت انتخاباتها في مناخات حرة وصريحة من العنف عقبها.
    يعود مردُّ ذلك من وجهة نظر عديد من المهتمين في الشأن السياسي ودراسات التحول الديموقراطي المقترن بالعنف في  أعقابه إلى فقدان أسس (السلام الديموقراطي) الذي يأتي في إطار مؤسسات قوية تضع السلطة في يد الناخب وتكسبه المقدرة على مساءلة صناع القرار في دولته الذين يدخلون في نزاعات بينية قد تصل إلى حد التوتر الشديد ولي الأذرع لكنَّها لن تتطور إلى العنف والحروب الأهلية جراء وجود عملية تشريعية تؤسس لإجراءات قانونية لفض الصراع؛ وإمكانية تحقيق نتائج إيجابية في حال دخول تلك الأطراف في حوارات ثنائية أو حوار وطني شامل.. الأمر الذي تفتقده دول التحول الديموقراطي السريع ذات المؤسسات الضعيفة غير القادرة على وضع السلطة في يد الناخب.
    المؤسسات الهشة وعلاقات المشاركة والعنف:
    في إحدى كتاباته يُشير (صموئيل هانتنغتون) إلى الطلب المتزايد على المشاركة السياسية في أعقاب التحول الديموقراطي؛ جرَّاء إطلاق العنان للمواقف الشعبية التي قمعتها النظم الاستبدادية القائمة في حقبة ما قبل الدخول في مضمار التحول المذكور؛ ما يمهد الطريق لظهور مجموعات (إثنية، ودينية، وعشائرية، … إلخ) كانت بعيدة عن ممارسة السلطة للمكافحة في ظل الوضع الجديد للسيطرة على مقاليد الأمور ومفاصل الدولة.. تقابلها مجموعات أخرى تكافح بالطريقة نفسها للحصول على ذات المغانم في ظل مؤسسات هشة غير قادرة على (تقديم المعلومات والدعم) المفضي إلى الدخول في دورات لسياسات عامة ناضجة ومتوازنة تخدم الجميع، وتوجُّه الطلبات المتزايدة للمشاركة؛ لتحقيق المصلحة العليا للبلاد، وتأخذ بالبعد الاجتماعي في التشريع لمواجهة (الانحطاط السياسي*) وضمان قدرة المؤسسات على مقاومة عدم الاستقرار.
      وفي مثل هذه الحالة تقتنص بعض المواقف الشعبية الفرصة للسيطرة على الأمور، كما حدث في يوغسلافيا السابقة حين شاهد (ميلوسيفيتش** ابن النظام السياسي اليوغسلافي) انهيار ذلك النظام وبروز قوى جديدة تسعى للمشاركة في إدارة الحكم ليجد نفسه أمام حقيقة الدخول في الانتخابات الممهدة للانتقال الديموقراطي..  ما جعله يبتكر وسيلة العزف على وتر العرقية وتسخير الميديا للتبشير بمعزوفته التي ركزت على الشبكات الاجتماعية سهلة التدافع للحصول على مبتغاها حتى وإن تجاوزت أبعاد المصلحة السياسية ممَّا أحدث المأساة في يوغسلافيا ودلَّل على صعوبة إبقاء السياسيين المسؤولين عن قول الحقيقة والاعتدال كما هو الحال في الديموقراطيات الراسخة، جرَّاء استغلال (ميلوسيفيتش) لهشاشة المؤسسات وإنشاء قنواته الخاصة المثيرة للانقسام.. ما سمح بتغليب لغة الصراع على لغة الحوار الوطني المنشود.
    الحوار الوطني والأبعاد الاجتماعية:
    أوضحنا فيما سلف كيف تساهم هشاشة المؤسسات في تصاعد حدة التنازع بين المواقف الشعبية المختلفة التي تكافح للمشاركة بإدارة الحكم .. الأمر الذي يحتاج إلى عمل طويل الأجل؛ لتقوية المؤسسات الاجتماعية بما يخدم المصلحة الوطنية، ويحوِّل سلوكيات القوى المتدافعة نحو علاقات التعاون والتآزر وبناء الدولة على أسس تشاركية؛ ترتكز على قوانين ذات رؤية تنموية مقاسة الأثر، ومؤسسات رصينة قادرة على حماية النظام ووضع السلطة في يد الناخب. في مهمة وطنية ليست بيسيرة الإنشاء وليست بعسيرة النجاح في آن واحد إذا ما جاءت النيات لخدمة الصالح العام.. عن طريق مسار (الحوار الوطني الناضج والفعال).. الذي يبدأ أولى مهماته في منافسات يسيرة؛ ثم تتطوَّر لتتعلَّق بالتفكير المعمَّق للوصول إلى أمر مشترك يتفق عليه الفرقاء للبدء بسياسة عامة وعمل عام تخدم قيم المواطن أينما كان على خريطة الوطن؛ وتخلق اتجاهاً مشتركاً للجمهور. ذلك لأنَّه فكرة إشراك المواطن فيما يجري على أرض وطنه أمر بالغ الأهمية؛ للتغلُّب على حالة عدم اليقين ذات الأثر البالغ في تعقيد النزاعات وصعوبة حلِّها… وهو ما يحتاج إلى السير (قبل الشروع في الحوار الوطني) نحو مضمار تنمية المجتمعات المحلية التي تعرِّفها الاسكوا على أنَّها «عملية مستدامة تستهدف أكبر عدد من المؤسسات والجماعات والأفراد للمشاركة فيها بهدف إحداث تغيير إيجابي في الأوضاع الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية في عملية تغيير ارتقائي منظم للنهوض الشامل المتكامل لجميع نواحي الحياة في المجتمع المحلي يقوم بها أبناؤه بنهج تشاركي ديموقراطي، بتكاتف المساعدات من خارجه».

    لقراءة المزيد اضغط هنا